الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رسالة عراقية أم إشارة إقليمية أوسع؟

بواسطة azzaman

رسالة عراقية أم إشارة إقليمية أوسع؟

محمد علي الحيدري

 

يثير أي حديث عن نزع سلاح الفصائل المسلحة في العراق سؤالاً يتجاوز الإطار الداخلي، ليمتد إلى الإقليم بأسره: هل تمثل هذه الخطوة، إن حصلت، إجراءً سيادياً محلياً تحكمه خصوصية التجربة العراقية، أم أنها تحمل في طياتها رسالة إقليمية - دولية مستعجلة موجهة إلى أحزاب وجماعات مسلحة أخرى في المنطقة، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني؟ من حيث الشكل، يبدو ملف نزع السلاح في العراق مرتبطاً بسياق داخلي واضح: دولة تسعى إلى تثبيت احتكارها للعنف المشروع، واستعادة هيبة القانون، وتنظيم العلاقة بين العمل السياسي والعمل العسكري. غير أن توقيت هذا النقاش، وطبيعته، وحجم الاهتمام الدولي به، يجعل من الصعب فصله تماماً عن التحولات الإقليمية الأوسع، ولا عن محاولات إعادة ضبط التوازنات في منطقة أنهكتها الحروب بالوكالة. على المستوى الدولي، ثمة إدراك متزايد بأن انتشار الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة لم يعد مسألة محلية يمكن احتواؤها داخل حدود الدول، بل بات عاملاً مؤثراً في الاستقرار الإقليمي، وفي أمن الطاقة، والممرات التجارية، وحتى في حسابات الردع بين القوى الكبرى. من هذا المنظور، قد يُقرأ أي تحرك عراقي جاد باتجاه حصر السلاح بيد الدولة بوصفه “نموذج اختبار” لإمكانية الانتقال من منطق التسويات المؤقتة إلى منطق الدول القادرة على ضبط أراضيها وقرارها السيادي. لكن تحويل التجربة العراقية إلى رسالة مباشرة لجماعات مسلحة أخرى، مثل حزب الله اللبناني، يبقى أمراً إشكالياً إذا ما جرى التعامل معه بتبسيط أو استعجال. فلكل حالة خصوصيتها السياسية والاجتماعية والتاريخية. في لبنان، على سبيل المثال، يرتبط سلاح حزب الله بتوازنات داخلية دقيقة، وبصراع مفتوح مع إسرائيل، وبمعادلة إقليمية مختلفة جذرياً عن الحالة العراقية. لذلك، فإن أي إسقاط آلي لتجربة على أخرى قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويغفل تعقيدات الواقع المحلي لكل بلد. مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الرسائل غير المباشرة موجودة دائماً في السياسة الدولية. فإذا نجح العراق، بدعم داخلي واسع لا بضغط خارجي صرف، في إدارة ملف نزع السلاح ضمن مشروع وطني شامل، فإن هذا النجاح سيُقرأ إقليمياً بوصفه دليلاً على أن الانتقال من مرحلة “الدولة الضعيفة المتعايشة مع السلاح” إلى “الدولة القادرة” ليس مستحيلاً. هنا، تصبح الرسالة أقرب إلى إشارة ضمنية: أن شرعية السلاح خارج الدولة تتآكل كلما تعززت شرعية الدولة نفسها. في المقابل، إذا جاء نزع السلاح نتيجة ضغوط دولية مكثفة، أو ضمن صفقات إقليمية عابرة، من دون توافق وطني حقيقي، فإن الرسالة التي ستصل إلى الخارج ستكون مختلفة تماماً. حينها، سيُنظر إلى التجربة بوصفها إجراءً استثنائياً فرضته ظروف خاصة، لا نموذجاً قابلاً للتكرار. والأسوأ من ذلك، أنها قد تعزز قناعة بعض الجماعات المسلحة في المنطقة بأن السلاح هو الضمانة الوحيدة في مواجهة تقلبات السياسة الدولية، لا العكس. الخلاصة أن نزع سلاح الفصائل في العراق، إن حدث، سيكون له بلا شك صدى إقليمي ودولي، لكنه لن يكون “رسالة جاهزة” يمكن توجيهها أو تسويقها بسهولة. قيمة هذه الخطوة، ورسالتها الحقيقية، ستتحدد بمدى كونها نتاج قرار سيادي ووعي وطني، لا استجابة مستعجلة لضغوط الخارج. عندها فقط، يمكن أن تتحول التجربة العراقية من ملف داخلي شائك إلى مثال يُراقَب إقليمياً، لا بوصفه إنذاراً أو تهديداً، بل كدليل على أن بناء الدولة، لا مراكمة السلاح، هو الطريق الأكثر استدامة للأمن والنفوذ.

 

 


مشاهدات 129
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/12/23 - 5:17 PM
آخر تحديث 2025/12/24 - 1:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 68 الشهر 17589 الكلي 13001494
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير