الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
محرقة التجنيد العابر للحدود

بواسطة azzaman

محرقة التجنيد العابر للحدود

لايوجد علج ونعناع في موسكو ولاقواطي بيرة على اطراف كييف

حسن الحيدري 

 

لم تكن الحرب الروسية الاوكرانية حدثا مفاجئا بقدر ماكانت نتيجة تراكمات جيوسياسية امتدت لسنوات فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتي بقيت اوكرانيا نقطة تماس حساسة بين روسيا والغرب تتجاذبها مشاريع النفوذ وتتصادم فوق ارضها حسابات الامن والتوسع والردع ومع عام 2022  تحول الصراع من ازمة سياسية وعسكرية محدودة الى حرب مفتوحة دخلت فيها موسكو بدافع حماية امنها القومي كما تراه بينما رأت (كييف) عاصمة اوكرانيا  في ذلك تهديدا  مباشرا لسيادتها

مع مرور الوقت لم تعد الحرب ثنائية الأطراف بل تحولت الى حرب استنزاف دولية

روسيا تسعى لتثبيت موقعها كقوة كبرى وفرض خطوطها الحمراء واوكرانيا تقاتل بدعم غربي واسعا دفاعا عن خيارها السياسي والجغرافي

فالغرب يخوض مواجهة غير مباشرة لاضعاف روسيا دون الانزلاق الى صدام مباشر

والنتيجة كانت خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية جسيمة للطرفين ودمارا واسعا  للبنية التحتية الاوكرانية وضغوطا  طويلة الامد على الاقتصاد الروسي لكن الخسارة الأكبر ظلت انسانية حيث تحولت الحرب إلى آلة استهلاك للافراد اكثر من كونها صراعا للافكار

مع طول امد الصراع لجأت روسيا الى توسيع قنوات التجنيد بما في ذلك استقطاب متطوعين أجانب ففي منطق الحروب الطويلة يصبح الإنسان رقما في معادلة الموارد خصوصا حين يأتي من دول ذات كثافة سكانية مليارية عالية مثل الصين والهند اوذات  اوضاع اقتصادية صعبة مثل الدول الافريقية حيث ينظر الى خسارة بضعة آلاف على أنها غير مؤثرة ديمغرافيا لكنها قد تسد فجوة ميدانية مؤقتة

وبهذا المعنى لم تعد الحرب مواجهة جيوش فقط بل سوق عمل قاسي تحل فيه البطالة بالبندقية ويستبدل غياب الفرص بعقود مؤقتة محفوفة بالموت

وسط هذا المشهد برز حضور شبان عراقيين في ساحات القتال يظهر بعضهم عبر البث المباشر على مواقع التواصل يشكون فيها الحرب وخطوطها الامامية والخوف وسوء الأوضاع ويتوسلون العودة لمدنهم .

جيل وجد نفسه ينتقل من منصات التواصل الاجتماعي الى خطوط النار دون تأهيل عسكري سابق ولا عقيدة قتالية واضحة ولا غطاء قانوني  يحمي من تورطهم بالمشاركة بحرب خارج حدود وطن

الشاب العراقي الذي دخل هذه الحرب لم يكن نتاج مؤسسة عسكرية وطنية ولا خدمة الزامية منظمة بل نتاج انسداد اقتصادي داخلي وبطالة  والآراء متباينة حول الدوافع

حيث تتعدد القراءات حول اسباب ذهاب هؤلاء الشباب

يرى فريق أن الدافع اقتصادي خالص لو توفرت فرص عمل حقيقية ودخل كريم داخل العراق لما التفت كثيرون الى الحرب اصلا ولما أصبحت المغامرة بحياتهم خيارا مطروحا

في المقابل يرى آخرون ان المشكلة أعمق وهي متعلقة بـ ضعف الثقافة العامة وتراجع الوعي الوطني حيث بات بعض الشباب يقارن بين الهجرة  والبقاء ويتفاجئ بالسندويج المتوفر في بلده بثمن مستطاع مقابل ساعات العمل المطولة في اوربا وغلاء المعيشة وظنا منه ان المحرقة الروسية ستثمر عن لجوء في بلد مرفه غير مدرك لعزلة الجواز الروسي وكراهيه افراه عبر نوافذ المطارات .

وهناك رأي ثالث اكثر جدلا والذي  يعتبر خروج اعداد من الشباب للقتال خارج البلاد قد يخفف مؤقتا  من بعض الظواهر السلبية داخليا مثل الجريمة المنظمة او تفشي تعاطي المخدرات بين فئة عمرية قلقة وغير مستقرة ثقافيا وعبئا على الامن الداخلي وقد يعبرون عن دوافعهم الجرمية في سوح الحرب الخارجية قبل نقلها لاختطاف وتسليب واغتصاب داخلي أصحاب هذا الطرح لا يبررون الحرب لكنهم يقرؤون الظاهرة بوصفها تفريغا  قاسيا لضغط اجتماعي يستصعب معالجته من جذوره

ورغم اختلاف هذه الآراء الا انها تلتقي عند حقيقة واحدة

ان الشاب الذي يترك بلا عمل بلا توجيه وبلا افق سيبحث عن الخلاص في اي مكان حتى لو كان ذلك في حرب لا تشبهه ولا تشبه وطنه

ليست المشكلة في شجاعة الشباب ولا في خيانتهم بل في الفراغ الذي دخلو فيه وفي غياب القدرة على تحويل طاقتهم الى بناء بدل ان تتحول الى وقود في صراعات دولية

ان الحرب الروسية الاوكرانية لم تكشف فقط هشاشة النظام الدولي بل كشفت أيضا هشاشة العمق الوطني للشباب من الانجراف خارج حدودها فأخطر ما في هذا المشهد ليس عدد القتلى أو الخسائر العسكرية بل تطبيع فكرة ان حياة الشاب قابلة للاستبدال

ويبقى هنا السؤال قائما

هل ستتوضح حقيقة  ان الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان

ام سيبقى الشباب يتنقلون من الرقص على منصة التيكتوك الى البكاء في منصة المعركة بحثا عن ضياعهم في كلا المنصتين  ...


مشاهدات 59
الكاتب حسن الحيدري 
أضيف 2025/12/22 - 4:30 PM
آخر تحديث 2025/12/22 - 11:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 810 الشهر 16726 الكلي 13000631
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير