الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النفط .. الإنتخابات والمشاريع العابرة للحدود

بواسطة azzaman

العراق في قلب الشرق الأوسط الجديد

النفط .. الإنتخابات والمشاريع العابرة للحدود

محمد عبد الكريم النجم

 

تعيش المنطقة اليوم لحظة إعادة تشكّل شاملة تمتد من الخليج إلى شرق المتوسط، ومن الفرات إلى النيل. وفي قلب هذه التحولات يقف العراق، ليس كدولة متفرجة، بل كأحد أهم محاور التوازن والصراع في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتقاطع فيه الإرادات الأميركية والأوروبية مع طموحات إقليمية لإيران وتركيا، وتطلعات داخلية معلّقة على انتخابات حاسمة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.

مبعوث خاص

أولاً: المبعوث الأميركي ومؤشرات التحول

تعيين الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب لمبعوث خاص جديد، هو مارك سفايا، العراقي المولد من الكرادة الشرقية، لم يكن خطوة رمزية فحسب، بل إشارة إلى عودة الاهتمام الأميركي بالملف العراقي ضمن حسابات الطاقة والأمن.

سفايا، الذي لعب دوراً في إطلاق سراح الخبيرة الإسرائيلية المختطفة لدى فصائل عراقية، يمثل جسراً غير معلن بين واشنطن وبعض القوى الميدانية في العراق، في سياق إعادة ترتيب الملفات الإقليمية قبل الانتخابات الأميركية والعراقية المقبلة.

ثانياً: النفط… الثروة المؤجلة

في قمة شرم الشيخ الأخيرة، لمّح الرئيس ترامب إلى أن “العراق لا يدير ثروته النفطية بشكل جيد”، وهي إشارة لم تكن عابرة، بل تعكس رغبة واشنطن في إعادة إدخال بغداد ضمن منظومة السيطرة على الطاقة، خصوصاً في ظل تعثر إقرار قانون النفط والغاز داخل البرلمان العراقي منذ أكثر من عقد ونصف. هذا التعثر جعل من ملف النفط ورقة تفاوض بين المركز والإقليم، وبين بغداد وواشنطن، وبين العراق وجيرانه الإقليميين، ما زاد من هشاشة القرار الاقتصادي والسياسي في آن واحد.

ثالثاً: انتخابات 11/11/2025… استفتاء على هوية الدولة

تأتي الانتخابات العراقية القادمة في ظل بيئة داخلية متشابكة بين مطالب التغيير الشعبية وتوازنات القوى التقليدية. وستكون هذه الانتخابات استفتاءً غير معلن على هوية الدولة العراقية:

هل تبقى دولة مركزية موحدة، أم تتجه نحو نموذج اتحادي فدرالي شبيه بتجربة كردستان، وربما لاحقاً إلى مشاريع “الأقاليم” التي تُطرح بين الحين والآخر بإيحاءات داخلية وخارجية؟النتائج ستحدد إلى حد كبير موقع العراق في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل على أنقاض الأزمات الممتدة منذ عام 2003.

طرح مشروع

رابعاً: مشروع الشرق الأوسط الكبير والمشروع الإبراهيمي

تسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى إعادة طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير بصيغة محدثة ترتكز على المشروع الإبراهيمي، الذي يهدف إلى دمج إسرائيل اقتصادياً وسياسياً في النسيج الإقليمي عبر تحالفات الطاقة والتكنولوجيا والديناميات الأمنية. وفي المقابل، يبرز المشروع الإسرائيلي التاريخي “من الفرات إلى النيل” كمفهوم جيوسياسي يتغذى من ضعف الدول العربية المركزية وتفككها الداخلي. العراق، بحكم موقعه وتاريخه وثرواته، يمثل الحاجز الأخير أمام تحقق هذا السيناريو، ولهذا يتعرض لضغوط لإعادة تشكيل بنيته الدستورية والإدارية بما يتناسب مع “الفدرالية المرنة” التي تتيح توزيع النفوذ.

خامساً: كردستان ودور الفاعل الخفي

إقليم كردستان العراق أصبح لاعباً محورياً في معادلة النفط والغاز، ليس فقط محلياً بل إقليمياً، عبر تفاهمات غير مباشرة مع تركيا وشركات غربية. هذا الدور يعزز موقع الإقليم كفاعل مؤثر في رسم السياسة النفطية للعراق، ويمنحه قدرة تفاوضية عالية في أي إعادة هيكلة مقبلة للدولة العراقية أو عند إقرار قانون النفط والغاز المنتظر.

سادساً: الجوار الإقليمي ومخاوف الفدرالية

تحول العراق وسوريا إلى نظامين اتحاديين فدراليين سيكون له تأثير مباشر على تركيا وإيران، اللتين تنظران بقلق إلى انعكاسات هذا النموذج على الأقليات الكردية والعربية لديهما.

وفي المقابل، يمكن أن يشكل هذا التحول فرصة لتخفيف الصراع إذا تمت إدارته ضمن منظومة إقليمية متوازنة، وهو ما يبدو مستبعداً في ظل تصاعد المشروع النووي الإيراني وتوتر العلاقة بين طهران وواشنطن.

سابعاً: الدستور والاتفاقية الاستراتيجية

الدعوات إلى تعديل الدستور العراقي لم تعد مطلباً نخبوياً، بل تحولت إلى محور نقاش وطني واسع، خاصة في ظل بنود تتعلق بتوزيع السلطات والثروات.

وتتداخل هذه النقاشات مع الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، التي يجري الحديث عن إعادة تفسيرها لتشمل ملفات الطاقة والأمن السيبراني والوجود العسكري الأميركي بعد انتهاء دور تنظيم داعش رسمياً.

ثامناً: ما بعد داعش… ونهاية حزب العمال

مع تراجع دور تنظيم داعش في العراق وسوريا، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مرحلة جديدة من الصراع الناعم، حيث تُستبدل المواجهات المسلحة بإعادة ترسيم النفوذ عبر الاقتصاد والسياسة.

وفي هذا السياق، يشير مراقبون إلى أن حزب العمال الكردستاني (PKK) قد وصل إلى نهاية دوره الوظيفي بعد تغيّر موازين القوى في شمال العراق وسوريا، ما يفتح الباب أمام ترتيبات أمنية جديدة تشمل تركيا وكردستان والعراق الاتحادي المقبل.

خاتمة: العراق بين الجغرافيا والمصير

العراق اليوم ليس مجرد ساحة للصراع، بل مركز لإعادة تعريف الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.

فمن قانون النفط المؤجل، إلى الانتخابات القادمة، إلى مشاريع الأقاليم والمبادرات الإبراهيمية، كلها حلقات في سلسلة واحدة تسعى لإعادة صياغة المنطقة.

ويبقى السؤال مفتوحاً:

هل سيتمكن العراق من تحويل هذه التحولات إلى فرصة وطنية لبناء دولة حضارية حديثة، أم سيبقى رهينة لمشاريع الآخرين العابرة للحدود؟

 

عن الكاتب

الشيخ المهندس محمد عبدالكريم محمد علي النجم

مفكر وسياسي عراقي، ساهم في بناء العمل السياسي المعارض للنظام السابق، وشارك لأكثر من أربعة عقود في جهود البناء والتنمية المستدامة، وله إسهامات فكرية في قضايا الدولة الحضارية الحديثة، وإصلاح النظام السياسي، وتعزيز الهوية الوطنية العراقية ضمن إطار مدني جامع


مشاهدات 44
الكاتب محمد عبد الكريم النجم
أضيف 2025/10/29 - 1:19 AM
آخر تحديث 2025/10/29 - 4:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 149 الشهر 19618 الكلي 12159473
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير