الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الكتابة في زمن الفساد

بواسطة azzaman

الكتابة في زمن الفساد

علي الدليمي

 

ليس الفساد، بشقيه الإداري والمالي، مجرد خلل عابر أو ظاهرة هامشية، بل هو سرطان ينخر في بنية الدولة والمجتمع، مُهدداً شرعية المؤسسات وثقة المواطنين. وفي خضم هذا التآكل المنظم الذي يجتاح المؤسسات الرسمية في جميع الميادين - من التعليم والصحة إلى البنية التحتية والمحاكم - تتحول الكتابة من مجرد أداة للتعبير إلى سلاح حاسم، وشاهد أمين، وصرخة مقاومة لا تخفت.يستمد الفساد قوته الأساسية من السرية والغموض. فالقرار المالي المشبوه، والصفقة الإدارية المُحتجبة، وتعيين المحسوبية غير المستحق، جميعها تزدهر في الظلام بعيداً عن الرقابة والمساءلة.

الفساد هو ضد الشفافية، وإذا كان الفساد هو الصمت المطبق على الحق، فإن الكتابة هي الضوء الذي يمزق هذا الصمت.الكتابة الصحفية والمقالية في هذا السياق تُؤدي أدواراً محورية:كشف الحقيقة ي الأداة التي تنقب خلف الأرقام المزيفة والمحاضر المضللة، لتُظهر كيف تُسرب الموارد العامة إلى الجيوب الخاصة، وكيف يتم استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب غير مشروعة.توثيق الانتهاك تًسجل الكتابة أسماء المتورطين، وتواريخ الأحداث، وطبيعة الضرر، مقدمة بذلك مادة أساسية للجهات الرقابية والقضائية، ومُحبطة لمحاولات طمس الأدلة أو نسيان الجريمة.في زمن يتفشى فيه الفساد، يصبح الكاتب – سواء كان صحفياً استقصائياً، أو مدوناً نقدياً، أو مفكراً عاماً – هو الضمير العمومي الحي. مهمته تتجاوز النقل الإخباري لتصل إلى التحليل النقدي لـ:

فساد الإدارة: تسليط الضوء على الروتين المُعطل، وتضارب المصالح، وتفشي البيروقراطية التي تُستخدم كغطاء لعرقلة مصالح الناس المشروعة، أو لتمرير مصالح الفاسدين.

فساد المال: متابعة أثر الأموال العامة، وكشف عمليات التضخم في المشاريع الحكومية، وتلاعبات المناقصات، وكيف أن المال العام يتحول إلى أداة لتمويل شبكات الفساد.

التحدي الأكبر هنا هو أن الكتابة ضد الفساد غالباً ما تُعرض صاحبها للخطر أو التهميش. فالنظام الفاسد يسعى دائماً إلى إسكات الأصوات النقدية عبر التهديد، أو التشهير، أو التضييق المهني والمالي.للحفاظ على فعاليتها ومصداقيتها في بيئة فاسدة، يجب أن تلتزم الكتابة بأعلى معايير الاحترافية والإحكام:

التدقيق والتوثيق: يجب أن تكون كل كلمة مسندة، وكل اتهام مُدعَّم بالوثائق والأدلة القاطعة. قوة المقال لا تكمن في بلاغته، بل في صلابة برهانه.

التركيز على النظام لا الأفراد: الكتابة الفعالة لا تكتفي بجلد الأفراد، بل تفضح الثغرات التشريعية والإجرائية التي سمحت للفساد بالازدهار، مقترحة إصلاحات هيكلية.

اللغة الواضحة والمباشرة: يجب تجنب الغموض والمواربة، والحديث بصراحة عن مكامن الخلل ليتمكن القارئ العادي من فهم طبيعة الخطر الذي يهدد حياته اليومية ومستقبله.

في الختام، الكتابة في زمن الفساد هي عملية مستمرة لتوليد الشفافية ومطالبة المؤسسات بالمساءلة. إنها تحويل الإدانة الصامتة التي يشعر بها المواطن إلى فعل عام يطالب بالتغيير. لا تُنهي الكتابة الفساد بنفسها، لكنها تُنشئ البيئة المعرفية والضغط الشعبي الذي يجعل استمراره أمراً مكلفاً وصعباً.

طالما ظلت الكلمة حرة وشجاعة وقادرة على توثيق الخلل، سيظل هناك أمل في استرداد المؤسسات وتطهيرها من آفة الفساد التي تستنزف الوطن بأكمله.

 

 


مشاهدات 43
الكاتب علي الدليمي
أضيف 2025/12/19 - 10:39 PM
آخر تحديث 2025/12/20 - 12:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 34 الشهر 14377 الكلي 12998282
الوقت الآن
السبت 2025/12/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير