الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فتوى أنقذت وطناً ونصر خط بالدم

بواسطة azzaman

فتوى أنقذت وطناً ونصر خط بالدم

انوار داود الخفاجي

 

يشكّل يوم النصر على عصابات داعش محطة فارقة في تاريخ العراق، محطة تختصر معنى الإرادة الوطنية حين تتوحد، ومعنى التضحية حين تبلغ أرقى درجاتها.

فبعد أن سقطت محافظات كاملة بيد الإرهاب عام 2014 واهتزّت المدن، وتشوّهت ملامح الحياة، وقف العراق على حافة الانهيار. لكنّ لحظة التحول الكبرى جاءت من النجف، من كلمة هزّت الأرض وأيقظت الضمائر الفتوى الجهادية التي أطلقها المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، والتي كانت الشرارة التي أعادت للعراق روحه، وللمواطنين ثقتهم، وللمقاتلين إيمانهم بأن الوطن لا يُترك لمصيره.

لقد مثّلت الفتوى الجهادية نقطة انطلاق ملحمية غيّرت اتجاه الأحداث. فخلال أيام قليلة تحركت الجماهير من كل المدن والقرى، من الجنوب والوسط والشمال، ليحملوا السلاح دفاعاً عن الوطن والعرض والمقدسات. تشكل الحشد الشعبي من أبناء العراق البسطاء قبل أن يكون قوة نظامية من طلبة جامعات، موظفين، فلاحين، عمال، شيوخ، وفتية، لبّوا النداء لأن المرجعية تحدثت بلسان الوطن.

وهكذا أصبح الحشد الشعبي ركيزة رئيسية في صدّ تمدد داعش، جنباً إلى جنب مع الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب والبيشمركة والعشائر.

تحقق النصر عندما تكاملت هذه القوى جميعها، وتحوّل العراق إلى جبهة واحدة.

كان المقاتلون يرفعون الراية على المباني المحررة، فيما يرفع العراقيون أيديهم بالدعاء على أبواب المساجد والحسينيات والكنائس، داعمين أبناءهم الذين يحاربون على الخطوط الأمامية. وقد سطّر الشهداء صفحات خالدة في تاريخ البلاد، إذ صعدوا إلى السماء حاملين قلوباً أكبر من الخوف، وعهداً أن لا تسقط مدينة أخرى بيد الظلام. انتصر العراق بهم، وبدمائهم التي روت كل شبر حرّروه.

واليوم، عندما يستذكر العراقيون ذكرى النصر، فإنهم يستذكرون أولاً صوت المرجعية وهي تقول “من يستطيع حمل السلاح فليتوجه فوراً لحماية العراق”. يستذكرون كيف تحركت مواكب الدعم اللوجستي من آلاف العوائل، وكيف فتحت البيوت أبوابها للنازحين، وكيف امتزج الدم العراقي في جبهات القتال بلا تمييز. إنها ذكرى تعيد للأذهان وحدة العراقيين حين يتعرض الوطن للخطر، وكيف أن الفتوى لم تكن حدثاً عسكرياً فقط، بل نهضة أخلاقية وروحية أعادت تعريف الوطنية.

غير أنّ الحفاظ على النصر واجب أكبر من النصر نفسه. فالنصر لا يُصان إلا بالوحدة، وبمحاربة الفساد، وبترسيخ القانون، ومنع عودة الخطاب الطائفي أو الفكر المتطرف. كما أن حماية ذكرى الشهداء تبدأ من رعاية عوائلهم، وتسجيل بطولاتهم في المناهج، وحفظ دور المرجعية في أصعب لحظة مر بها العراق. فالذاكرة إن لم تُحفظ تضيع، والدماء إن لم تُكرّم تذبل، لكن العراق أثبت أنه وفِيّ لمن ضحّى.

 ختاما انتـصر العراق لأن المرجعية أنقذته، ولأن أبناءه لبّوا النداء، ولأن هناك رجالاً قاتلوا حتى الرمق الأخير كي تبقى المدن حرة.

 واليوم، في كل احتفال بذكرى النصر، يقرأ العراقيون درساً جديداً أن الوطن يبقى قويّاً ما دامت أصوات الحق تحميه، وما دامت تضحيات الشهداء تضيء له الطريق نحو مستقبل آمن، كريم، ومستقر.

 


مشاهدات 48
الكاتب انوار داود الخفاجي
أضيف 2025/12/10 - 3:33 PM
آخر تحديث 2025/12/12 - 7:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 222 الشهر 8567 الكلي 12792472
الوقت الآن
الجمعة 2025/12/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير