الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نحو ثقافة إسلامية معتلة بعيدة عن التطرف والتكفير     


نحو ثقافة إسلامية معتلة بعيدة عن التطرف والتكفير     

سامي الزبيدي

 

ان ديننا الإسلامي الحنيف دين الرحمة والمحبة والتسامح دين الانفتاح على الآخرين من الأديان والمجتمعات الأخرى , دين الحرية والمساواة والعدل ,دين الحفاظ على أرواح وأعراض وأموال المسلمين وغير المسلمين , دين صيانة حقوق الإنسان ,دين التكافل الاجتماعي بتشريعاته ومبادئه النبيلة , ترى ماذا يحدث وماذا يجري لهذا الدين ؟ وكيف أصبح المسلمون يكفرون بعضهم بعضاً ؟ وهم ينطقون الشهادتين ويتوجهون الى قبلة واحدة ويؤمنون بكتاب واحد هو القران الكريم؟ من أين جاءتنا دعوات التكفير واستباحة دماء المسلمين ونهب أموالهم وممتلكاتهم وتهجيرهم وتشريدهم ؟ ان اختلاف المذاهب في بعض الأمور الفقهية لا يفسد للود قضية (اختلاف أمتي رحمة ) هكذا يقول نبي المسلمين محمد (ص) فما دامت أصول الدين واحدة فلا ضرر ولا ضرار عند الاختلاف في الفروع , لقد اختلف المسلمون في بعض أمورهم سابقا لكنهم لم يصلوا حد التكفير لان الله تعالى أوصاهم في كتابه (وإذا تنازعتم في شيء فردوه الى الله والى الرسول ) ففي سنين الإسلام الأولى كانت أمور المسلمين ومعاملاتهم وتشريعاتهم توضح من قبل النبي  (ص) وعن طريق الوحي في صلة مباشرة بين السماء والأرض وبعد وفاة النبي (ص) انقطع الوحي وانقطعت الصلة المباشرة بين السماء والأرض واصبحت جميع المعاضل تحل من قبل ولاة الأمور وهؤلاء بشر لم ينزل عليهم الوحي ليبلغهم بالتشريعات بل كانوا يعتمدون على كتاب الله وسنة بنيه ومن ثم على اجتهادهم ولهذا حدثت بعض الاختلافات في بعض الأمور الفقهية لكنها لا ترقى الى خلافات جوهرية واستمرت الأمور على هذه الحالة حتى ظهور المذاهب الإسلامية بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية وصعوبة الاتصال بن أقطارها فضلت الخلافات بين هذه المذاهب في نطاق الفروع وليست في أصول الدين وثوابته فكيف وصلت الاختلافات بين المسلمين الى أمور جوهرية ؟ وكيف جرى تشويه الدين من قبل المتزلفين للحكام ووعاض السلاطين وفقهاء القصور والمجالس حباً بالمال والجاه والنفوذ؟ وكيف جرى إيهام الناس بأمور ليست من الدين في شيء على إنها منه ؟ وكيف تفرق المسلمون الى ملل ونحل تتقاتل فيما بينها وكل منها تقوا أنها الفرقة الناجية والباقي في جهنم ؟ كيف جرى ذلك ولمصلحة من ؟ إنها السياسة والحكم والسلطة هي التي فعلت ذلك سخروا الدين لأغراض الدنيا ووضعت أحاديث من قبل وعاض السلاطين والفقهاء المأجورين لم يقلها النبي محمد(ص) وقاموا بتأويل بعض آيات القران الكريم لتوافق نواياهم الخبيثة حرفوا وزيدوا ووضعوا وأوضعوا ,داهنوا ورفضوا , حللوا وحرموا ,اجتهدوا وافتو بفتاوى ما انزل الله بها من سلطان واخذ الكثيرون بفتاواهم دون تمعن وتمحص وتفكر مع ان النبي(ص) بقول (استفت عقلك وان أفتاك الرجال وأفتوك ) وبذلك انحرف الكثيرون وظل آخرون وبقيت القلة تحافظ على الدين وعلى مبادئه السامية وسننه الواضحة ,لقد وجد الفكر التحريضي التكفيري الأرضية المناسبة والملاذ الآمن له في بعض المناطق العربية والإسلامية واتخذ من ممارسات بعض الحكام الطائفية والظالمة وتسلطهم على رقاب شعوبهم واستحواذهم على ثروات بلدانهم وجعلها نهبا لهم ولحواشيهم وللأجنبي ومن اعتداء أمريكا وحلفائها على بعض الدول العربية والإسلامية ذريعة لأعمالهم الإجرامية وفتاواهم التكفيرية وتحت غطاء محاربة الردة والظلال في بعض مناطق امتنا العربية تارة والجهاد لتحرير بلاد المسلمين من الكفار تارة أخرى مما سهل على هؤلاء تنفيذ مآربهم وتمويل عمليات تسليحهم وتدريبهم وتجهيزهم وإيوائهم من قبل دول إقليمية وتنظيمات متطرفة وأصحاب نفوذ ورجال أعمال واحتضانهم من قبل رجال دين لهم صلاحية الإفتاء ولهم ثقلهم الديني في بعض البلدان الإسلامية , ولهذا فان الأمة الإسلامية باتت أمام تحد كبير وخطير يتمثل في المحافظة على روح الإسلام الحقيقي ومبادئه السامية وقيمه النبيلة في التعايش والتقارب والتعاون والاحترام المتبادل بين الشعوب والأمم ونبذ التطرف والتحريض على العنف والقتل والتكفير سواء بين المسلمين تنفسهم أو بينهم وبين الأمم الأخرى من خلال تبني ثقافة اسىلامية معتدلة بعيدة عن التطرف والتكفير ,ان هذه المهمة معقدة وتتطلب تضافر جهود أكثر من جهة ودولة ومؤسسة إنها تتطلب جهود محلية وإقليمية ودولية تتكفل في إصدار قوانين وتشريعات تخص الإرهاب ومحاربة الجماعات المسلحة المتطرفة والتكفيرية مع تعاون وثيق وجاد بين الدول العربية والإسلامية للحد من ظهور مثل هذه الجماعات وتطبيق العقوبات الشديدة والرادعة بحق من يروج أو يتبنى أو يساعد أي تنظيم مسلح ينتهج القتل والتكفير والأفكار المتطرفة وفي نفس الوقت إتباع أسلوب الحوار مع التنظيمات التكفيرية وتوجيههم وإرشادهم الى روحية الإسلام الحقيقي ونهجه المعتدل الذي لا وجود للقتل والتكفير والذبح والتهجير في أي مذهب من مذاهبه كما تتطلب بالمقابل من حكام بعض الدول العربية والإسلامية احترام آراء شعوبها في نوع الحكم الذي تريده ومراعاة حقوق الإنسان وحرياته الشخصية وإشاعة العدل والمساواة بين جميع فئات المجتمع والحفاظ على الثروات الوطن وتسخيرها لخدمة الوطن والمواطنين وعدم جعلها نهبا لفئة معينة أو للدول الأجنبية ,كما تتطلب جهود دولية سواء من المنظمات الدولية أو من الدول الكبرى بمنع أمريكا وحلفائها من شن عدوانها على أية دولة عربية أو إسلامية تحت حجج واهية كامتلاكها أسلحة محظورة أو محاربة الإرهاب أو إسقاط الأنظمة الدكتاتورية وإبدالها بأنظمة ديمقراطية لان أمريكا ليست وصية على العالم  وعليها احترام إرادة الشعوب وميثاق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وتتطلب أيضا جهود الحوزات العلمية والمدارس والمؤسسات الدينية ورجال الدين والمثقفين في كل الدول الإسلامية لعقد مؤتمرات للتحاور والتقارب بين المذاهب وتذليل المصاعب وتقليل مساحة الاختلافات بينها ومحاربة التعنت والانغلاق والتمحور واجترار حوادث وروايات عفا عليها الزمن لا تؤدي إلا الى النفرة والفرقة والتأكيد على التراحم والتوادد والتعاضد والسير بالدول الإسلامية في الطريق الذي يلبي احتياجات مجتمعاتها ويراعي التقدم والتطور الذي يشهده العالم في مختلف المجالات والسعي لتشكيل هيئة إفتاء مشتركة في كل دولة إسلامية تظم رجال دين فضلاء وعلماء أجلاء من مختلف المذاهب والفرق تختص بإصدار الفتاوى وحل المسائل المختلف عليها وتوحيد التشريعات والأمورالفقهية الأخرى.


مشاهدات 99
الكاتب سامي الزبيدي
أضيف 2025/12/10 - 2:19 PM
آخر تحديث 2025/12/11 - 1:26 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 443 الشهر 8033 الكلي 12791938
الوقت الآن
الخميس 2025/12/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير