ما تبقى مني على الطريق
هدير الجبوري
كلما مضيت في ذلك الطريق الطويل اشعر وكأن قلبي يسير حافيا على ذاكرة من شوك قديم.لا ادري ما الذي ابحث عنه تحديداً، لكني اعلم ان شيئا ما مفقود في داخلي، شيء تاه منذ سنين بعيدة ولم يعد، يرافقني كظل لا يفارقني، حتى في اكثر اللحظات ضجيجا بالحياة.كل خطوة في ذلك الطريق توقظ في وجعا غامضا، كأن الحجارة تعرفني، وكأن الهواء يحفظ تنهّداتي. يداي تبحثان في الفراغ عن شيء اتمسك به. بيت قديم ربما، أو انسان كان هناك، او ذكرى لم تكتمل. اشعر احيانا اني لا انتمي الى شيء، لا ارض تحت قدمي تشبهني، ولا سماء استطيع ان ارفع اليها رأسي مطمئنة.
لقد تاهت نفسي في زحام الحياة، في الغربة التي لا يقيسها البعد المكاني بل البعد عن الدفء، عن الذين كانوا ذات يوم جزءا من نبضي. كل ما احببته بات بعيداً، ولم يتبق لي سوى الذكريات، تلك التي اتمسك بها كما يتمسك الغريق بخشبة من ماضيه.
قال لي احدهم يوما: (ابقي مع ذكرياتك أفضل لك، ولا تغادري ماضيك)، قالها بتهكم وسخرية ربما، وكأنه يظن أني اعيش في ظلال ما أنقضى. لكنه لم يعلم ان الحاضر لم يمنحني ما يعوض ذلك الماضي، لم يمد لي يداً فيها الامان او الحنين او حتى ما يشبه الطمأنينة. نعم، في الماضي وجع كثير، حرمان كثير، لكن فيه ايضا دفء لم اجده بعدها في اي مكان.
احيانا اتساءل: لماذا يمنحني الطريق هذا الحزن المستمر؟ لماذا لا استطيع ان أفر من هذا الاحساس، حتى لو كانت الوجهة جميلة؟ ربما لان الطريق يشبهني، طويل، صامت، يحتفظ بأسراره، ويمضي بلا وعود.
في النهاية، لا اعرف ان كنت اسير نحو شيء، ام أعود منه. كل ما أعلمه ان الطريق والحزن والذكرى صاروا كياناً واحدا بداخلي، وان هناك جزءاً مني ما زال هناك، في اول الطريق، ينتظرني أن اعود.