جولة بين تراث بغداد.. فضاءات المعرفة تستعيد جمهورها وتقدم درساً في حماية الهوية الفنية
بغداد - وفاء داود الصفار
صباح الاربعاء المنصرم ، بكل ما حمله من بهجة ، سيبقى لصيق الذاكرة .. كان صباحا بغداديا جميلا وشهيا ، كنت بصحبة الزميل والصديق زيد الحلي ، حيث ساح بنا الوقت ، في زيارة ثقافية ممتعة ، بدأت في المقهى التراثي « الشابندر» الذي ذكرنا بأجواء مقهى الفيشاوي في القاهرة لكن بشكل اجمل حيث لا يوجد اي تطفل من ممتهني التسول او الالحاح على صبغ الحذاء برغم لمعانه كنوع من أنواع التسول ثم استضافنا الاستاذ طالب عيسى مدير المركز الثقافي البغدادي وموظفي المركز فاتحين الابواب رغم انه كان مغلقا استعدادا لتهيئة مستلزمات الافتتاح الكبير المعتاد ليوم الجمعة ، استضافة غنية ومفعمة بالمعلومات فالمركز الثقافي البغدادي ، الذي يحتضن الإرث الحضاري للعاصمة بغداد يتخذ من مبنى المدرسة الرشدية العسكرية في فترة الحكم العثماني مقراً له وهي مدرسة أولية تهيئ الطلبة للانضمام إلى الكلية الحربية في إسطنبول، حيث اصطحبنا مديره الاستاذ طالب الى قاعاته ، التي هي بقايا التاريخ ومعالم الحضارات لمبدعين عراقيين انها نافذة للأجيال الحالية واللاحقة ، للتواصل مع الاجداد ، والتعرف على طرق عيشهم وعمق ثقافتهم ..
زرنا قاعة ومكتبة الشاعرة نازك الملائكة ، ومكتبة ميخائيل عواد، ومكتبة عبد الحميد الرشودي، ومكتبة جميل الملائكة وغيرها واطلعنا على مقتنياتها النفيسة ومصادرها التراثية ، التي تربط بين الأجيال، فالأجيال الحالية تتواصل مع أسلافها من خلال الحفاظ على هذه الممتلكات الثمينة، مما يعزز الهوية الوطنية والوحدة المجتمعية.
تراثي ثقافي
ان المركز الثقافي البغدادي ، هو الوعاء الذي يحفظ تراثنا ويحميه ، وهو من أهم الوسائل والطرق التي نحافظ من خلالها على ماضينا وحاضرنا التراثي والثقافي ، ويمكنني القول ان هذا المركز وادارته المجتهدة ، هو النافذة التي يطل من خلالها أبناء الحضارة المعاصرة والأجيال القادمة على ما أنجزه الآباء والأجداد من اعمال ابداعية متجذرة في العمق البغدادي الاصيل . ويمكن الاشارة ، الى ان حيوية المركز الثقافي البغدادي ، تتمثل بإسعاد ألاف المواطنين وعوائلهم الذين يزورنه يوما ، ولاسيما ايام الجمع بمشاهدة آثار وكنوز بغداد الثقافية الفنية حيث يتعمق التواصل بين الزوار وافذاذ الماضي . فرحت جدا حين قال الاستاذ طالب تعقيبا على قولنا أنا ورفيق الرحلة الاستاذ زيد بان متاحف العالم تأخذ الجبايات للدخول إلى مثل هذه المراكز والمتاحف قائلا ان رسالة المركز الرئيسة هي إتاحة الفرص للأجيال الشابة الاطلاع على ما يعرضه من وثائق ورموز تؤشر الجانب الإبداعي لبغداد
والمركز يعتبر صرحاً ثقافياً مهماً لما يضمه من تراث ومحتويات تساعد على تأصيل القيم الروحية والثقافية للعراق .. ونعتقد ان من دون الجمهور، فإن المركز يصبح مستودعاً ومخزناً فاقدا لأي حياة تنبض فيه، ومن دون الجمهور يموت المركز ويصبح جبلا باردا ، لذلك يشجع مركزنا بشكل متزايد على ضرورة الاتصال بأوسع القطاعات الشبابية والحرفية والفنية ، مستخدماً عدة وسائل حتى يوصل أخبار نشاطاته إلى الجمهور ويجذب مجموعات جديدة من الزوار ، وهذا ما يحصل اليوم. ان للمركز الثقافي البغدادي رسالة عظيمة لا تقل في الأهمية عن غيرها من الأجهزة الثقافية من حيث التنمية الحضارية والارتقاء بأذواق المجتمع .. وأيضاً هو احد الوسائل الخدمية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد في المجتمع بلا استثناء للتزود بالعلم والثقافة والمعرفة المباشرة التي يعطيها أي مركز تراثي باعتباره ممثلاً للثقافة من خلال المشاهدة .. الأمر الذي يساعد على اصطحاب أطفالنا وشبابنا لزيارته ، لأهمية ذلك في تحريك الوجدان وتنوير العقول .. وتوضيح أن المركز ليس مهمته فقط الحفاظ على الثروات الفكرية والابداعية للسلف ، ولكن أيضا تعميق الثقافة بكل صنوها وتاريخه وحين مغادرتنا المركز تذكرت اصرار مؤرخ بغداد الكبير العلامة الراحل عماد عبد السلام رؤوف على ترديد مقولته التطمينية بعدم الخشية على مستقبل بغداد لان معدتها القوية التي هضمت المغول والتتار وكل من طمع بها ما زالت قادرة على هضم اي احتلال وكل طامع وغادر ووجود تراثنا ووثائقنا بهذه الأيدي الأمينة يؤكد صحة ما كان يقوله مؤرخنا الكبير.
افاق عالمية
وقبل نهاية رحلتنا في شارع الثقافة العراقي الذي طفقت شهرته الآفاق العالمية لابد من توثيق الزيارة بالتقاط الصور جنب تمثال من ملأ الدنيا وشغل الناس الشاعر العراقي الكبير ابو الطيب المتنبي وكان مسك الختام وجبة من المشويات في مطعم الإخلاص احد رموز المطبخ البغدادي العريق وحديث الذكريات مع صاحبه وحفيد مؤسسه بعد اول زيارة له منذ اكثر من ثلاثين عاما واصرار رفيق الجولة الاستاذ زيد على دفع الحساب. وكان من المقرر ان يصحبنا في هذه الجولة الممتعة صديقنا المشترك الاستاذ حسام سري إلا ان وضعه الصحي لا يساعد على السير كل هذه المسافات بسبب الكسر الذي اصاب ساقه.