من أيامي في دلهي.. تعلمت الصبر والتأمل والحرص
عباس وليد محسن
حين حطت طائرة الخطوط الجوية العراقية التي كانت تقلني مع والدي في مطار انديرا غاندي كان هناك هامش من الخوف والقلق قد تفاقم لدي لكثرة ما سمعت وقرات من معلومات خاطئة عن هذا البلد الكبير.لقد قيل عن الفقر وعن نسبة تلوث المدينة وانه ينبغي لي ان أكون حذراً جدا لكثرة اللصوص والفوضى في الشوارع ،وأحتمالات النصب والاحتيال وها انا بعد شهرين لمتابعة الحالة المرضية التي يعاني منها والدي لم يبقى من مخاوفي شيء.كنت اخشى ان أصاب بالملل والضجر والارباك ولكن ولله الحمد وجدت في هذه المدينة المزيد من الهدؤ والاطمئنان رغم ان نفوسها تزيد عن ثلاثين مليون نسمة .في اليوم الاول من وصولنا كنت اتوقع ان اصطدم بسلوك عشوائي عام عليَّ ان استعد له .
منظومة دقيقة
ولكن كان كل شيء يخضع لمنظومة دقيقة من الانسيابية ما لمسته ازاح عن ذاكرتي كل الصورة النمطية التي ترسبت في ذهني عنها ، فكم انت مظلومة يا دلهي بسبب المعلومات التي يرويها البعض عنك ،في دلهي كل شيء محسوب بدقة ، في الفندق الذي نزلنا فيه ، ثم بعد ذلك في الشقة التي استأجرناها .لقد جرت كل هذه الوقائع بسهولة ،لم يخلف دليلنا الذي يتولى التنسيق بيننا وبين المستشفى أي موعد ،اما الطبيب الاختصاص الذي اشرف على علاج والدي ، كان يتداول معه في موضوع مرضه وكأنه صديق له، وقد صارحه بالمرض بطريقة فيها المزيد من مشاعر الاطمئنان والثقة.
لقد كانت عظمة هذا الطبيب ليس فقط لأنه اختصاص على درجة عالية من الفهم ، بل وكذلك في الطريقة الانسانية الجميلة خلال شرحه لوالدي تطورات مرضه ، وكذلك ماوجدناه من الطاقم الطبي الذي يرافقه المدهش ان الابتسامات لم تفارقهم جميعاً وكأنهم اصدقاء يعرفوننا من زمان ، الود لم يفارق كل الاشخاص الذين تعاملت معهم وفق معرفتي المتواضعة باللغة الانكليزية . في المستشفى ، في الشارع ،في المقهى ، في الاسواق ،هناك حس.انساني جميل يحرك جميع الذين تعاملت معهم ,،وهكذا لا شيء بقيّ لدي من الصورة النمطية التي كانت في ذاكرتي
اعتقد جازما لو كان هذا العدد الهائل من البشر وهذا التعدد الكبير للاديان والطوائف والملل والهويات في غير الهند لاحترق ، لكن في الهند التنوع هو واحد من اعظم عوامل تماسكه وتقدمه ، بل وتفوقه في الصناعات الاحدث والاكثر تطوراً في دلهي لم تصادفني حالة تذمر واحدة رغم الازدحام الشديد ،انهم كرماء اسخياء مع شدة فقر بعضهم كما انهم على ارادة قوية في العمل يتحركون إلى اعمالهم من الساعة الرابعة فجرا يعدون انفسهم ليوم شاق ولكنه يوم منتج ولديهم حس كبير بالقناعة وتقديم الشكر مقابل ما يحصل عليه وان كان قليلاً.لم اجد احد يتأفف بل وجدت الصبر بأجمل صوره . اعترف لكم انني تعلمت خلال هذين الشهرين المزيد من الصبر والتأمل والحرص الامين على العلاقة بالاخر.
قناعات شخصية
نعم ، لقد زاد تأملي وفكري وثقافتي والمكسب الإيجابي الآخر في رحلتي هذه انني بدأت أكتشف جهلي واعدت النظر في المزيد من قناعاتي الشخصية عن الحياة الهند ليس بلدا سياحيا وتراثيا فقط وليس كذلك بلدا متقدما طبيا فقط ،بل هو مدرسة تعلمت فيها المزيد من الانضباط الذي عزز الراحة النفسية لدي .