الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لا يُغني عن المشروع ولا يُنقذ المرشح.. عندما يصبح المال السياسي لاعباً

بواسطة azzaman

لا يُغني عن المشروع ولا يُنقذ المرشح.. عندما يصبح المال السياسي لاعباً

إسماعيل محمود محمد العيسى

 

في كل دورة انتخابية، يتكرر المشهد ذاته: سيلٌ من الأموال يتدفق بلا حساب… سيارات فارهة توزَّع، مكاتب تُفتح، رواتب تُمنح، ونثريات تُهدر بعشرات الملايين، وكل ذلك بهدف واحد: الفوز بمقعدٍ نيابي قد يطول أو يقصر عمره.

ومع هذا الإنفاق المهول، تبقى الحقيقة معلّقة أمام الجميع: المال السياسي قادر على شراء الأصوات، لكنه عاجز عن شراء الشرعية.

المال السياسي… وهم التأثير السريع

لم تعد الحملات الانتخابية في العراق مجرد منافسة برامج وأفكار، بل تحوّلت إلى سباق محموم بين أحزاب وتيارات توظّف المال السياسي كأداة أولى وأخيرة.

وبدل أن يكون البرنامج الانتخابي هو جوهر التنافس، باتت الثروة هي المعيار… وكأننا أمام “بورصة” لا صندوق اقتراع.

ومع ذلك، فإن ما حدث يكشف درسًا صادمًا:

اتفاق خيالي

لا المال السياسي ضَمَن الفوز، ولا الإنفاق الخيالي منح تلك الأحزاب ثقة الناس.

الشارع اليوم أكثر وعيًا، والناخب لم يعد أسير “الهدايا” المؤقتة، لأن أزماته أكبر من كيس غذائي أو سيارة أو راتب انتخابي.

لو أن تلك الأموال صُرفت في خدمة المواطنين

لو أن الأحزاب نفسها سخّرت هذه الأموال — التي تُهدَر في ثلاثة أشهر — لصيانة شارع، أو إنشاء مدرسة، أو حل أزمة ماء وكهرباء في مناطقها، لما احتاجت إلى طباعة صورة واحدة أو استئجار مكتب حملات.

ولو أن نواب الدورات السابقة تركوا أثرًا حقيقيًا يلمسه المواطن، لكان الناخب يخرج زحفًا لانتخابهم… بلا دعايات ولا إنفاق ولا صراخ سياسي.

الانتخابات كشفت هشاشة الشخوص… وبقاء المشروع هذه الانتخابات قدّمت درسًا لا يمكن تجاهله:

الشخص لا يمكن أن يستمر… الذي يبقى هو المشروع.

الوجوه تتغير، الأحزاب تتبدل، التحالفات تتشقق، لكن المشروع الوطني المهني — إن وجد — هو الذي يُعيد ثقة الناس بالعملية السياسية.

أما التراشق الإعلامي، والتسقيط، والطعن بالأعراض، والتشكيك بالنزاهة، فقد كشف مدى هشاشة التجربة، واتساع الهوّة بين الطبقة السياسية والناس.

دعوة لإصلاح سياسي… قبل أن ينهار ما تبقى

إن أزمة اليوم ليست أزمة انتخابات… بل أزمة بنية نظام.

ولهذا فإن الوقت قد حان لخطوة جريئة:

تعديل قانون الانتخابات جذريًا، واعتماد فكرة البرلمان المزدوج (ثنائي الغرف)

بحيث يكون هناك:

 •برلمان مهني للكفاءات والخبراء والاختصاصيين مسؤول عن التشريع،

 •برلمان سياسي/مناطقي/عشائري كما هو الحال الآن مسؤول عن التمثيل الشعبي.

وجود غرفتين سيمنع احتكار التشريع بيد أطراف لا تمتلك الخبرة،

وسيُعيد التوازن للعملية التشريعية، ويوفر لأول مرة صوتًا وطنيًا مستقلاً بعيدًا عن المال السياسي والطائفية والمناطقية.

وأخيراً أقول ؛ إذا أرادت الأحزاب أن تبقى، فعليها أن تتوقف عن وهم شراء الطريق إلى البرلمان.

المال السياسي نافذة قصيرة العمر، أما المشروع السياسي والإداري والمهــــــني فهـــــــو وحـده الــذي يصنع ثقة الشارع.

من يريد “العمل” حقًا… فليبدأ من اليوم التالي لنهاية المعركة الانتخابية، لا من موسم الصور والوعود.

 

ماذا تعني خسارة شيوخ العشائر؟

ناجي الغزي

لم تكن خسارة هذا العدد الكبير من شيوخ العشائر في الانتخابات حادثة عابرة يمكن تجاهلها، ولا مجرد إخفاقات فردية متفرقة. ما جرى يشبه انكساراً ناعماً في بنية اجتماعية ظلّت متماسكة لعقود طويلة. فجأة، اكتشف الشيوخ أن العشيرة التي طالما بدت جسداً واحداً، بدأت تتحرك ككائن متعدد الرؤوس، وأن الصوت الذي كان يُفترض أنه «صوت الشيخ» لم يعد يخرج من فم واحد، بل من أفواه كثيرة ومتناقضة.

لقد تغيّرت العشيرة نفسها. تغيّر أبناؤها، وتغيّر وعيهم، وتغيّرت احتياجاتهم. لم تعد العشيرة كتلة صامتة تُقاد بالإشارة أو بـ «كلمة الشيخ». صار التشتت سلوكاً عاماً، والتمرّد الصامت لغة جديدة داخل البيوت والقرى والمضايف. جيل الشباب، الذي نشأ على ضوضاء المدن لا على خيمة الطاعة العشائرية، وجد في الانتخابات ساحة منافسة، لا ساحة «نخوة». رأى أن المقعد النيابي ليس امتداداً للعمود العشائري، بل امتداداً لمصالحه اليومية، لفرصته في العمل، لخدمته المباشرة.

في هذا المشهد، لم يعد الشيخ هو الممثل الطبيعي للعشيرة، ولا صوتها الوحيد. حلّت مكانه شخصيات أخرى: موظف يجيد التعامل مع الدوائر، ضابط له شبكة نفوذ، إعلامي مؤثر، رجل أعمال قادر على فتح الأبواب المغلقة. هؤلاء صاروا أكثر قرباً من الناس، وأكثر فهماً لمطالبهم، وأكثر قدرة على تحويل العلاقة الشخصية إلى صوت انتخابي.

هكذا وجد الشيخ نفسه في موقعٍ غير مألوف: له مكانة الاجتماعية، نعم… لكن ليس له ماكينة.

له هيبة مقدرة ومحترمة، لكن ليس له نفوذ انتخابي. فالهيبة الاجتماعية، مهما عظمت، لا تتحول تلقائياً إلى أصوات في صندوق الاقتراع. ولهذا جاءت الخسارة كبيرة،  ومتشابهة بين عشائر مختلفة ومناطق متعددة، أسبابها كثيرة، لكن جوهرها واحد:سلوك ومزاج الناخب تعب من الوجوه التي تمثل التاريخ أكثر مما تمثل الحاضر. الناخب يريد خدمة لا لقباً، منفعة لا وجاهة. يريد من يجيد لعبة السياسة الحديثة: إدارة، تمويل، تنظيم، إعلام، خرائط نفوذ. بينما دخل الشيوخ السباق بسلاح قديم لا يصلح لميادين اليوم.

حتى العشيرة نفسها لم تعد تسمع كلمة شيخها. الأبناء صاروا يصوتون لمن يلامس حاجتهم، لمن يحقق منفعتهم، لمن يشاركهم الحياة، لا لمن يشاركونه اللقب. ومن هنا، رأينا كيف صار الشيخ جزءاً من معركة أكبر منه، وكيف زُجّ ببعضهم في سباق لم يُعدّ له، سوى ديكور انتخابي أكثر منه مشروعاً سياسياً حقيقياً.

هل هناك رسائل أو دروس؟

نعم، هناك ثلاث رسائل واضحة وعميقة وثقيلة:

الأولى: أن العشيرة لم تعد حزباً سياسياً يسير بقرار واحد. انتهت مرحلة صوّتوا للشيخ.

الثانية: أن الشيوخ، مهما علت مكانتهم، لم يعودوا الرقم الأثقل في المعادلة الانتخابية. كبروا اجتماعياً لكنهم صغروا انتخابياً.

الثالثة: أن النظام السياسي نفسه تغيّر، وتقدّم على الجميع. القوى الحزبية، المال السياسي، النفوذ الحكومي، الجيوش الإلكترونية… كل هذه عوامل اخترقت العشيرة، وتفوّقت على سلطة المشيخة.

هذه ليست نهاية دور الشيوخ، لكنها بلا شك نهاية مرحلة من مراحل نفوذهم السياسي.

إنه زمن جديد، تتقدم فيه المصالح على الرموز، والأدوات على الألقاب، والصندوق على المضيف. الشيوخ خسروا لأن العراق دخل عصر «المصالح» وليس عصر «الألقاب». والانتخابات لم تعد معركة هيبة، بل معركة أدوات. والعشيرة نفسها تحولت من كتلة صمّاء إلى مجتمع متنوّع بصوت حر. هذه الهزيمة ليست إهانة للشيوخ… بل إعلان انتهاء مرحلة كاملة من السياسة العراقية.

عن مجموعة واتساب

 


مشاهدات 61
الكاتب إسماعيل محمود محمد العيسى
أضيف 2025/11/17 - 2:17 AM
آخر تحديث 2025/11/17 - 4:43 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 175 الشهر 11936 الكلي 12573439
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير