لا عار ولا شنار في حفلة
حسين باجي الغزي
لم أحبّذ – كمُتابع – التعليق على تفاصيل الحفلات الغنائية التي تُقام هنا وهناك، لكن الحقيقة أن ما يخصّ مدينتي الناصرية يهمّني كثيرًا، ويأخذ حيّزًا خاصًا في قلبي. فالناصرية مدينة الشعر الأول، وموطن الموسيقى الجنوبية، وذاكرة الفن الشعبي العراقي، وأهلها أهل ذوق وطرب، والعبد الفقير من المشجّعين والداعمين لإقامة الأمسيات الغنائية والشعرية والفنية؛ لأن الفن بمختلف ألوانه ينعش الروح، ويُهذّب الذائقة، ويُقرّب الناس بعضهم من بعض.
ولستُ – إنصافًا – من المتابعين الدائمين لكل أغاني الفنان محمد عبدالجبار، لكنني أشكره بصدق على إحياء حفله المرتقب في الناصرية، وعلى رغبته في إدخال البهجة على وجوه أهلها، فهم عشّاق للحياة رغم ثقل الهموم، ويحتاجون إلى نفحة فرح تُخفّف وطأة الأيام.
وقد يتداول البعض اعتراضات أو أصواتًا لا تريد للناصرية أن تفرح، ولا أن تستقبل أغنيةً أو ابتسامة. وأنا أرى أن لهم رأيًا، لكنه لا يلغي حقّ الشباب والعوائل والمتذوقين بأن يفرحوا ويحتفلوا في مدينتهم، كما أن للفنان حقه في الحضور، وللناس حقهم في الاستمتاع، فهذه المدينة لطالما كانت ملاذًا للفن وأهله، وهي التي احتضنت أعلام الشعر والغناء والموسيقى لعقود طويلة.
أما أسباب التحفّظ أو الأصوات المتشنّجة التي تظهر قبيل أي فعالية، فهي – في رأيي – ليست سوى بقايا خطاب متوجّس يرى الفرح ترفًا، بينما الناصرية تستحق حياة كاملة، وتستحق أن تُضاء شوارعها بصوتٍ جميل، وأن تُعاد إليها بهجة الليالي التي عرفتها منذ زمن.
وقد يتساءل البعض: لماذا نحتفي بحفلة غنائية في هذا الوقت بالذات؟ والجواب بسيط: لأن المدن الحيّة تُقاس بقدر ما تملكه من ثقافة، وطمأنينة، وقدرة على استقبال الفن. والناصرية كانت وستبقى مدينةً تعشق الغناء الأصيل، وتفتح ذراعيها لضيوفها.
ولا عار ولا شنار في حفلة محمد عبد الجبار،ولعمري… لا يؤمن بقيمة هذا الفرح ولا يشعر بقدسيته إلا من أحبّ هذه المدينة، وعرف أن الناصرية حين تبتسم، يبتسم الجنوب كله.