مسرحية طلاق مقدس بنغمة أكاديمية أخّاذة
صباح شاكر
يعد مفهوم النقد المسرحي منهجا علميا يتماها مع أختصاص وثقافة الناقد، وما يدَّخر من معلومات وخبرة وثوابت ساندة غاية في الأهمية، إبتداء من العلوم النفسانية والمجتمعية وانتهاء بالرؤى الفنية، إضافة الى ضرورة إمتلاكه لعين حيادية تعي التنظير وثوابت المنطق التي تُميز الجمال عن القبح، وفق آليه من معايير سايكلوجية داعمة للفكرة النقدية وتسهم في مستوى الشد والتفاعل إيماناً بأهمية المسرح وتأثيره السيسيولوجي، مع أهمية ألمامه بالعراقة والجذور كونها المدرسة الاولى في سِفر البشرية وهي المرشد الأول الذي يعود تأريخه الى ما قبل ظهور دور وتكيات العبادة على إختلافها.
لذا بات لزاماً تفعيل دور الفنون وخصوصا المسرح في استيعاب الجمهور المتلقي وإستنهاض شرائحه على تباين ثقافاته، لا التعالي عليه سلباً، أو استعراض مهارات حداثوية اخراجية تعتمد الإجتهاد في تقطيع وتفتيت بنية النص، أو في معالجة اكاديمية تعتمد على فهم وتفاعل جمهور النخبة فقط، من خلال تجارب صعبة الفهم.
أتمنى ان لا يفسر كلامي هذا على اني اقف بالضد من الحداثة ومواكبة التجارب العالمية في هذا الجانب، بل قصدت حث صناع المسرح من أجل ان لا يكون المسرح العراقي متحفاً للشمع يحتاح الى فك الطلاسم المشفرة، فيغيب بالتالي عن لعب دور في بناء المجتمع، فهناك دائما نتاجات (مهرجية) هابطة قادرة على استقطاب الجمهور البسيط عبر دغدغة بساطته أو جهله، فنصبح أمام معادلة اجتماعية سلبية، أحد طرفيها غالبية الجمهور، وفي الطرف الآخر (طبقة) مثقفة معزولة تماما أمام حركة التغيير والتطوير، فالمرحلة الحالية احوج ما تكون لإسهامات فن فاعل يعمل على قلب المعادلات الشائعة.
نحن نقر بما وقع على الفنان المسرحي العراقي الملتزم من غبن وتهميش، وأننا جميعا جمهور وفنانين كنا في مركب واحد، ولم نستطع تحقيق حِلمنا الذي نبغي، بعد ان سُرق زماننا الإبداعي في ظل اجندات مؤدلجة أو راديكالية ضيقة الأفق.
وبالرغم من ذاك مازلنا على قيد الأمل نحلم بالتغيير، وأصحاب رسالة إنسانية تنشد المحبة والسلام المجتمعي، ولم تفلح كل العاتيات بلثم مبادئنا.
بعد هذه المقدمة لابد من التنويه والشكر للصدفة التي تزامنت مع زيارتي الأخيرة لبلدي مع ايام الموسم السادس لمهرجان بغداد الدولي للمسرح، رغم أسفي لقصر مدة زيارتي، ولم أتمكن من مشاهدة العروض سوى عمل واحد هو (مسرحية طلاق مقدس) للمخرج الشاب علاء قحطان عن فكرة للمؤلف والمخرج مصطفى الركابي، وتمثيل نخبة من الفنانين الشباب في مقدمتهم النجم ياسر قاسم والشابة نعمت عبد الحسين وبقية الكادر الواعد وما ينتظرهم من مستقبل يؤشر الى فن ومسرح ملتزم.
وكمدخل للحديث لابد من الأشارة للمخرج علاء قحطان ومعالجته الأخراجية لنص (جاف) يتعامل مع أشكالية التطرف، والتي للأسف ما زال أثره قائم، وبالكاد تجاوزه البعض ليعيش حاضرا بعيد عن الإنغلاق والترهات المذهبية والتي جاءت فكرة هذه المسرحية بالضد منها، ورغم أني ما زلت رهين ثقافتي وما أكتسبته من معرفة وثقافة مسرحية، كوني من جيل وجمهور مسرح بغداد وفرقة المسرح الفني الحديث، يوم كان لكل مسرحية رمز ومنشور سري يشاكس قوالب السلطة.
وعودٌ على بدء وللأنصاف أنا اغبط المخرج علاء قحطان إذ نجح في ضبط الإيقاع المتوتر، وعرف كيف يدير التناقضات بعيدا عن فوضى الصراخ فجاء الأخراج بسلطنة ونغمة اكاديمية أخّاذة، ابتداء من المؤثرات الصوتية الى سينوغرافيا فاعلة ومعبأة بالطاقة الفكرية عن اصل النص، بعيدا عن الرتابة والتشتت البصري، إذ ادرك المصمم اللعبة.
وأنشأ فضاءً مغلقا حاصر من خلاله حركة الممثلين وجعل من الجدار الأيمن رقيب معمد بالأصفاد والأقفال، وفي جانب ليس بالبعيد ترك لنا جدار وساعة تدور ولا تدور في اشارة صريحة للضياع، وحتى أقحام لوحة جسدية راقصة في العمل، كان غاية في التعبيرية، وكانت لغة بصرية هي الأقرب للأعراب بل موازية وتتماها مع النص.
ختاما، إن كان لي قول حق فإني أقول، كنت اتمنى لو وظِّف مثل الاخراج المبهر ومثل هذا الأداء التمثيلي المتقن في تجسيده للشخوص، لقصة وفكرة اكثر نضجا وتماسا مع الحاضر.
□ ممثل مسرحي