تعاون بحثي مشترك مع الأردن
عالم كردي يكتشف علاجاً نباتياً مضاداً للسرطان
السليمانية - باسل الخطيب
أسفرت الجولات الاستكشافية لعالم نباتات كردي في منطقة قره داغ بمحافظة السليمانية، عن اكتشاف نبات عشبي بري فريد يتميز بخصائص يمكن أن تسهم في علاج السرطان وتعزيز مناعة الجسم البشري، وتكللت جهود ذلك العالم بنشر بحوث عن الموضوع في كبريات الدوريات العلمية العالمية المتخصصة في إطار تعاون بحثي كردي أردني مشترك.
نباتات نادرة
فقد تمكن البروفيسور د. سامان عبد الرحمن أحمد، رئيس مؤسسة نباتات كردستان في الجامعة الأمريكية-سليمانية (AUIS)، خلال جولاته الاستكشافية في جبال منطقة قره داغ، على مدى أربعة أعوام، من اكتشاف العديد من الأنواع النادرة وغير المعروفة جيداً، وإعداد قائمة مرجعية ودليل ميداني للنباتات الوعائية (تحتوي على لحاء وخشب) بالمنطقة، التي لم تُستكشف نباتياً بنحو كافٍ نظراً لوعورتها وقلة طرقها وإغلاقها لأسباب عسكرية. ومن بين ما اكتشف نبات القنفذ الشوكي Echinops shakrokii حيث قام بدراسته وتشخيصه كنبات جديد على مستوى العالم، ونشر بحثاً عنه في مجلة جامعة هارفرد للنباتات العالمية المرموقة، عنوانه:
ECHINOPS SHAKROKII (ASTERACEAE), A NEW SPECIES FROM KURDISTAN, IRAQ في عددها بتاريخ كانون الأول/ ديسمبر 2019.
وتقع منطقة قره داغ أو جبل قره داغ، جنوب مدينة السليمانية في كردستان العراق، بين خطي عرض 35° 07−35° 30 شمالاً و45° 11−45° 29 شرقاً.. وتشكل جزءاً من منطقة سهوب زاغروس البيئية في المنطقة الإيرانية - الطورانية، ويتراوح ارتفاع الجبل بين 610 أمتار بالقرب من قرية بلخا و1854 متراً، وهي أعلى قمة فيه فوق قرية قوبي حماه حواس (قمة زردة). ويبلغ طوله حوالي 55 كيلومتراً وعرضه حوالي 16 كيلومتراً، وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 450 كيلومتراً مربعاً.
ويُعرف نبات القنفذ الشوكي بخصائصه المضادة للسرطان والمعدّلة للمناعة. وتُعد الدراسة التي قام بها العالم الكوردي، الأولى من نوعها التي تبحث في التأثيرات المحتملة لنبات القنفذ الشوكي، الذي جُمعت عيناته باستخدام أساليب مختبرية وداخلية. والقنفذ الشوكي (Echinops shakrokii) نوعٌ أصلي في كردستان العراق، يزدهر هذا النبات المعمر بشكل رئيس في المناخات شبه الاستوائية، وله تاريخ طويل في استهلاكه كطعام شهي في صورته الخام؛ ومع ذلك، ما تزال آثاره البيولوجية غير مفهومة بنحو كافٍ.
مصدر قلق
ويُعدّ السرطان مصدر قلق صحي عالمي، وفي سنة 2020، نُسبت حوالي 10 ملايين حالة وفاة إلى السرطان، حتى بات يعتبر ثاني أكثر أسباب الوفاة شيوعاً في العالم، حيث ارتفع معدل وفيات السرطان بنسبة 28 بالمئة خلال العقد الماضي. ووفقاً لإحصاءات السرطان العالمية (GLOBOCAN) لسنة 2020، يُعتبر سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان تشخيصاً بين النساء، بنسبة 11.7 بالمئة من إجمالي الحالات. يليه سرطان الرئة (11.4 بالمئة) وسرطان القولون والمستقيم (10.1 بالمئة)، وسرطان الرئة المسؤول عن 18.0 بالمئة من وفيات السرطان، يليه سرطان القولون والمستقيم (9.4 بالمئة)، وسرطان الكبد (8.3 بالمئة)، وسرطان الرئة.
النباتات الطبية مصدر دوائي مهم
وتستخدم النباتات الطبية وموادها الكيميائية في أنحاء العالم، لمعالجة الاختلالات الفسيولوجية المعقدة والأمراض المختلفة، بما في ذلك السرطان.
وقد أظهرت العديد من النباتات خصائصَ تعديل مناعيٍّ هامة. ويُعتبر استكشاف الموارد الطبيعية أمراً أساساً للبحث عن أدوية جديدة، حيث تركز الأبحاث الجارية على العلاجات الطبيعية للسرطان، وقد أظهرت دراسات سابقة أن بعض المستخلصات النباتية والمركبات النقية تمتلك خصائص قوية مضادة للسرطان. وتشمل تلك الخصائص تثبيط نمو الخلايا، تعزيز موت الخلايا المبرمج، منع نقائل الخلايا السرطانية وتثبيط تكوين الأوعية الدموية. بالإضافة إلى ذلك، تمارس هذه المركبات سيطرةً تنظيميةً على الالتهام الذاتي، وتقاوم مقاومة الأدوية المتعددة، وتحافظ على التوازن المناعي، وتعزز فعالية العلاج الكيميائي. وهناك أدلة قوية على أن النباتات استُخدمت كدواء لأكثر من 4000 عام في الثقافات اليونانية والهندية والأوربية والمتوسطية والعربية. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن ما لا يقل عن 7000 مركب طبي في دستور الأدوية الحالي مشتق من النباتات.
وتدرج المنظمة ما يقرب من 21 ألف نوع من النباتات الطبية، وتقدر أن ما بين 25 و40 بالمئة من الأدوية الصيدلانية مشتقة من مصادر نباتية. وعلى مر التاريخ، استُخدمت العديد من نباتات الفصيلة النجمية لخصائصها الغذائية والطبية، من قبل مجتمعات مختلفة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وقد أثبتت الدراسات أن النباتات التي تنتمي إلى الفصيلة النجمية تمتلك خصائص مهمة، بما في ذلك تأثيرها المدر للبول، وقدرتها على التئام الجروح، ومقاومة الالتهابات والعدوى البكتيرية ونمو السرطان. وتحتوي هذه النباتات على مركبات كيميائية نباتية متنوعة، مثل البوليفينولات، والأحماض الفينولية، والفلافونويدات، والأسيتيلينات، والتربينويدات، مما يُسهم في تأثيراتها الدوائية. ولجنس القنفذية (Echinops L.) استخدامات تقليدية واسعة، إذ تُظهر معظم أنواع هذا الجنس خصائص مضادة للميكروبات، ومضادة للتكاثر، ومضادة للالتهابات، كما يتضح من الدراسات التي أُجريت على مستخلصاتها، وزيوتها العطرية، ومركباتها المعزولة.
تعاون بحثي
وشاءت الصدف أن يلتقي العالم الكردي د. سامان عبد الرحمن أحمد، مع عالم عراقي مغترب في الأردن، هو البروفيسور د. وميض هادي طالب، عميد كلية الصيدلة والعلوم في جامعة العلوم التطبيقية الأردنية، المتخصص في بيولوجيا السرطان وعلم المناعة، والمهتم بإيجاد علاجات تكاملية للسرطان والتغذية المضادة له ومقاومة الخلايا السرطانية للأدوية وفحص مواد مضادة للسرطان من النواتج الطبيعية.. حيث اطلع د. وميض على بحوث د. سامان، التي جاءت متفقة مع اهتماماته البحثية، فكان لقاء بينهما عبر الانترنت، واتفقا على التعاون المشترك بين مؤسسة نباتات كردستان وجامعة السليمانية وجامعة العلوم التطبيقية الأردنية، من خلال الإشراف على طالبة الماجستير هديل الجنيدي، التي كرست مشروعها البحثي لتوضيح المكونات الكيميائية النباتية المختلفة لنبات القنفذ الشوكي، وتقديم رؤى ثاقبة عن خصائص تعديل المناعة ومضادات السرطان للأجزاء الهوائية لمستخلصات نباتية مختلفة لأول مرة، فضلاً عن كشف ن إمكاناتها العلاجية وتطبيقاتها في طب السرطان.
وخلص الفريق البحثي المشترك إلى أن بالإمكان اعتبار نبات القنفذ الشوكي نباتاً طبياً واعداً يُظهر خصائص مضادة للسرطان، حيث أظهرت كلٌّ من مستخلصات الميثانول المائي وأسيتات الإيثيل المُستخلصة من الأجزاء الهوائية من النبات، فعاليةً كبيرةً في تثبيط تكاثر سلالات مختلفة من الخلايا السرطانية. وأن مستخلص الميثانول المائي قلّل من حجم الورم وسرّعَ من عملية التعافي في نموذج سرطان الثدي لدى الفئران، دون التسبب في تأثيرات سمية على الكبد أو الكلى.
كما أشارت فحوصات تعديل المناعة، إلى تعزيز تكاثر الخلايا الليمفاوية وزيادة أنشطة البلعمة في الخلايا البلعمية. وتشير هذه النتائج إلى أن تنشيط الجهاز المناعي وتحريض موت الخلايا المبرمج هما آليتان رئيستان وراء الأنشطة الملاحظة المضادة للسرطان. وكشف التحليل الكيميائي النباتي، عن مركبات حيوية نشطة متنوعة، بما في ذلك الفلافونويدات، والقلويدات، والتربينويدات، والمركبات الفينولية، وجميعها معروفة بخصائصها المضادة للتكاثر، ومضادة للأكسدة، ومعدلة للمناعة. كما تُبرز الأنشطة البيولوجية الهامة التي أظهرتها مستخلصات الميثانول المائي وأسيتات الإيثيل، تأثير قطبية المذيب على قدرات النبات المضادة للأكسدة والمعدلة للمناعة.
بحث رائد
وبذلك يعتبر هذا البحث الأول الذي يستكشف خصائص نبات القنفذ الشوكي المضادة للسرطان، والمعدلة للمناعة. وتُوفر نتائجه أساساً متيناً لمزيد من البحث. ومع ذلك، فإن للبحث قيوداً، لا سيما في تحديد أهداف جزيئية أكثر دقة ومسارات إشارات تتأثر بنبات القنفذ الشوكي ينبغي أن تركز الدراسات المستقبلية على عزل وتوصيف المكونات النشطة النقية للنبات، وتوضيح الآليات الجزيئية الكامنة وراء عملها كأمر بالغ الأهمية للتطبيق المحتمل للنبات في علاج السرطان.
وكلل الفريق البحثي الكردي الأردني المشترك عمله بنشر مخرجات البحث في مجلة نيتشر ( Nature) العلمية العالمية المرموقة، بعنوان (تقويم التأثيرات المضادة للسرطان والمعدّلة للمناعة لمستخلصات نبات القنفذ الشوكي Echinops Shakrokii S.A. Ahmad دراسة مخبرية وداخلية)، وذلك بعددها في تموز/ يوليو 2025.