الشرق ألاوسط یحتضر
نبز شهرزوري
ماذا یعني تصریح المبعوث الأميركي توم براک : " لا يوجد شرق أوسط" والدول القومية في المنطقة نشأت عبر "سايكس بيكو" ؟
أن تخيل المنطقة خالية من مفهوم الدولة القومیة المسیطرة و ترسيم حدود دولية جديدة للدول التي کانت لها قوانينها الخاصة بمجتمعاتها من خلال التغییر السیاسي المفاجيء، ليست بالأمر الهيِّن خاصة عندما یصبح الشعوب الاخری لديها جنسيتها الخاصة ويحق لهم التغيير و تقرير المصير، بدون ان تملك دول المنطقة الحق في المواجهة او الرفض للواقع الجدید، اذا کیف سوف یتم الحفاظ على السلام والأمن دون وجود هذە الدول في المرحلة القادمة .!
جدیر بالذکر إن ما نشر في مجلة " آرمدفورسز جورنال" مقال بعنوان «الحدود الدموية»، لجنرال الأمريكي المتقاعد " رالف بيترز " والذي طرح فيه فكرة، إن السلام الشامل لن يسود في الشرق الأوسط، إذا لم تتغير حدوده الحالية( الطائفي ، العرقي ،الديني )، یبدو ان ماطرحە اصبح امر واقع .
في الآونة الأخيرة إزدادة عدد الشعوب في المنطقة التي تسعى إلى تشکیل كيان قومي خاص بهم بناءً على الهوية المشتركة ، کما نری الآن في سوریا (الکرد ، الدروز، العلویین)یحاولون تکرار تجربة الاستفتاء الذي أجراه« الأسكتلنديون، اقلیم کیوبک الکندیة، الأقالیم ( کریما ، دونيتسك، ولوهانسك » في اوکرانیا ...بعد الصراعات ومخلفات الحروب .
إن ما يُفهم من رؤیة الامریکية الجدیدة " قد تجمعت عدد من القرى تحت قيادة واحدة ، ثم مجموعة من القیادات تجمعوا تحت إدارة دولـة أکبر وبعد ذلک تحالفت تلک القرى او الدول وتم انشاء النظام وإدارات جدیدة في المنطقة باسم الشرق الاوسط، والان إنتفت الحاجة لتلک الدول المتهالکة ، وحان وقت رسم حدود لکیانات جدیدة " .
طرح کل هذە التوقعات تأتي بسبب تسارع الاحداث وتغییر موازین القوی والتحالفات في الشرق الاوسط ، ربما نعیش في بدایة مرحلة للملاحم الکبری او ربما نشهد بدایات لبعض الدول ونهایات البعض الآخر، وقد تکون هذە الاحداث، الشرارة الاولی لبداء مرحلة التغییر .
یبدو ان المنطقة مقبلة على تغييرات جوهرية و رسم للحدود الجغرافية و الخرائط السياسية و قد تطال تبديل أنظمة جديدة و إعادة النظر في الاتفاقيات والمعاهدات السابقة التي شكلت الجغرافيا الحالية للمنطقة.
الرؤیة الدولیة تجاە منطقة الشرق الاوسط لم تعد کما کانت، ولا یعتبر حدود الفاصلة بين دول خطوط مقدسة غیر قابلة للتغییر، بل صارت أدوات بيد قوى الکبری تبحث عن إعادة توزیع الادوار و النفوذ وتسيير دفة الامور وفق خرائط جدیدة تتبدل مع مقتضیات المصلحة الاقليمية و الدولية، طبعا مع مراعات الاهداف الإسرائيلية السیاسیة المبنیة علی النبوءات القدیمة بخصوص مستقبل المنطقة.
من الناحیة الإقتصادیة إعادة رسم خریطة المنطقة كأداة جيوسياسي بعد حرب 12 یوم بین ( ایران- إسرائیل، سقوط بشار في سوریا ، القضا علی حماس في غزة ، إضعاف قدرات حزب اللە وقتل قادتە) يتجاوز الحلم الاسرائیلي في تحقیق نبوءت "ممر داود" كونه مجرد شريان بري، فطریق التنمیة في العراق علی سبیل المثال ، سوف یکون احد الأهداف (الاسرائیلیة الامریکیة) القادمة لأن هذا المشروع الاستراتیجي الحیوي يربط آسیا باوروبا، وفي حالة إکمال المشروع سوف يستهدف إضعاف النشاط التجاري لدول الصدیقة لأمیرکا، التكامل الجغرافي في المنطقة یساعد في توسیع المجال للهيمنة على هذا الطریق الحیوي و مصادر الطاقة التي تربط بین خطوط البترول و الغاز عبر المنطقة للأسواق العالمیة، والامر یعني إعادة تشكيل النفوذ وترتیب الأوضاع في المنطقة بشکل الذي یخدم المصالح الامریکیة و الغربیة، لمواجهة النفوذ الإيراني و تطويق حزب الله.
بفعل الحروب المتلاحقة و التدخلات الدولية، بات العراق منهک( سیاسیاً، اقتصادیاً، عسکریاً) و هو مرشح لیكون مسرحاً للصراعات الاقلیمیة والدولیة، فالمعرکة في العراق سوف تکون مختلفة لأنها لیست حول إسقاط النظام السیاسي، بل حول توظيف الجغرافيا العراقیة، كمسار آمن یحافظ علی السلام في المنطقة بالاضافة الی أمن إسرائيل، بعيداً عن المواجهة المباشرة.
إن تزاید الإستثمارات ألاجنبية في العراق بشكل خاص، یسبب في تراجع إقتصادات في منطقة الخلیج الذي یعول علی الإستثمارات الاجنبیة بشکل کبیر وهذا الامر لا یتمناە دول الخلیج و الامریکان، وبالتالي یهدد مصیر طریق التنمیة، مع إن العراق لعب دوراً في عدم الانخراط في الصراعات المنطقة، إلی أنه يتوقع ان یمارس عليه المزيد من الضغوط السیاسیة و الاقتصادية، من أجل عدم الإنخراط في المحور الصیني، وسيكون على صانع القرار العراقي العمل بجدية على تعويض البدائل لأي طارئ و درء ضرر في الأيام اللاحقة، بسبب دوامة الصراعات في منطقة الملتهبة .
في خضمّ ما يشهده الشرق الأوسط من مخاض سياسي وأمني، تتبین من تلک الأحداث، نبوءات قديمة تتحدث عن زوال دُوَل واختفاء اخری، کما نراها تتجسَّد خطواتها هذە الایام .
"ممر داوود" من العهد القديم إلى واقع جدید.
تقول الروايات التوارتية إن " مملكة داود الكبرى " تأسست في القرن العاشر قبل الميلاد، وأسس داود، مملكة قوية واسعة وجعل مدينة القدس عاصمة مملكته، لتشمل مناطق واسعة إمتدت من نهر الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط .
وتشیر النبوءات القديمة ایضا في ( التوراة ) " إنّ خرابًا عظيمًا سيحلُّ بمصر، وستُقسَّم أرضها، ويجفّ نيلها، وتفقد قوتها وهيبتها أمام أعين الأمم " و الأحداث والتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة، تُثير الكثير من التساؤلات والشکوک وكأنها مقدّمة لملحمة الكبرى کما تنبأ به( التوراة ) . هكذا يتم رسم فکرة "ممر داود" و نبوءة توراتية ، كمفهوم يتجاوز تغییر الخرائط في الاستراتيجية الإسرائيلية، اي إنها لیست إلا هندسة جديدة للمنطقة و تغییر جغرافي و ليس مجرد مشروع سیاسي، بل هو تجسيد لمرحلة جديدة في الشرق الاوسط. فالمشهد سوداوي من کل النواحي، إذ تحوّلت المنطقة إلى مسرح للصراعات المسلحة والحروب و کأننا نقترب من النبوءة و المدخل الی النهاية.
اذاً ... كل هذە السيناريوهات تطرح سؤالاً کثیرة ؟
هل نعيش آخر لحظات الشرق الاوسط ؟
هل بدأت تنفیذ مشاريع لا تقف عند حدود الجغرافيا القديمة ؟
وهل الأحداث المتسارعة دلیل علی النهاية دول المنطقة، کما قال المبعوث الأميركي ؟