 
		
	دون خطّ الخِزّي
كامل الدليمي
دون خطّ الخِزي”… عبارةٌ نطق بها أحد وجوه عشائر الجنوب بمرارةٍ تختصر حال العراقي اليوم، وهو يقارن نفسه بجيرانه في دولٍ أقلّ منه ثروةً وأكثرُ منه راحةً وكرامةً في العيش.
هي عبارة ليست من لغات السياسة ولا من مفردات الاقتصاد، بل من نبض الناس الذين تعبوا من الوعود، وذُلّهم الفقر، وتاهت كرامتهم بين طوابير الرواتب وغلاء المعيشة وضيق الأفق.
لقد كان العراقي يومًا ما يضرب به المثل في الرفاه والاستقرار. كان بلد النفط والخير، والتعليم المجاني، والطبابة التي تغنيك عن السفر، والكرامة التي لا تُشترى بثمن. واليوم، بعد عقودٍ من الحروب والسياسات المرتبكة والفساد المستشري، صار العراقي يقف في طابور الفقر، يمدّ يده إلى راتبٍ لا يكفي أسبوعًا، ويبحث عن الأمان في وطنٍ يملك كل مقومات الغنى، لكنه يفتقر إلى العدالة.
إن الفساد الذي تسلل إلى مفاصل الدولة كداءٍ مزمن، هو الجدار الحقيقي الذي يقف بين المواطن وحقّه. لقد أنتج الفساد طبقةً صغيرةً متخمة بالمال والسلطة، وترك أغلبيةً ساحقة تكافح من أجل لقمة العيش، فيما اختفت الطبقة الوسطى التي كانت تمثل ميزان المجتمع واستقراره.
فحين تغيب الطبقة الوسطى، يختل التوازن الاجتماعي، وتتحول المجتمعات إلى كتلتين متباعدتين: فاحشة الثراء ومطحونة الفقر، لا يجمع بينهما إلا الغضب واليأس.
اليوم، يعيش المواطن العراقي حالة من التراجع المعيشي لا تليق ببلدٍ يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، ومياهه وأنهاره وخيراته التي لا تُحصى.
وحين ينظر إلى جيرانه، ممن لا يملكون عُشر ما يملكه العراق من ثروات، ويرى مستوى الخدمات والتعليم والبنى التحتية التي يتمتعون بها، يشعر بأنه يعيش حقًا “دون خطّ الخزي”؛ لا فقرًا فقط، بل انكسارًا في الكرامة الإنسانية.
لكن رغم كل هذا، ما زال الأمل ممكنًا. فالشعوب التي تواجه الفساد لا تهزمها العتمة، بل يُنبت في داخلها وعيٌ جديد، وصوتٌ يطالب بالتغيير لا بالثأر، وبالإصلاح لا بالانتقام.
إن مسؤولية الدولة اليوم ليست في توزيع المساعدات المؤقتة ولا في زيادة الرواتب فحسب، بل في إعادة بناء منظومة العدالة الاقتصادية، وإحياء الطبقة الوسطى، واستعادة كرامة المواطن التي لا تُقدّر بثمن.
فلا يمكن لبلدٍ مثل العراق أن يبقى حبيس الخيبات، وهو يمتلك من الطاقات البشرية والعقول النيرة ما يمكن أن يصنع المعجزات.
لكن ذلك لن يتحقق إلا حين يُفتح ملف الفساد بجرأة، وتُحاكَم الأيادي التي نهبت قوت الفقراء، وتُستعاد الثقة بين الدولة والمواطن، لتُرفع البلاد من تحت خط الفقر إلى فوق خطّ الكرامة، بعيدًا عن كل خزيٍ وإذلال. إننا اليوم أحوج ما نكون إلى قولٍ وفعلٍ يُعيد الاعتبار للمواطن العراقي، الذي لم يطلب ترفًا ولا قصورًا، بل حياةً بسيطة تحفظ له كرامته في وطنه، كي لا يُضطر أن يقول يومًا:
“صرنا دون خطّ الـــــــــخِزي في بلدٍ اسمه العراق» .