الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أمة تحت الصليب.. صعود القومية المسيحية يعيد رسم علاقة الغرب بالإسلام

بواسطة azzaman

أمة تحت الصليب.. صعود القومية المسيحية يعيد رسم علاقة الغرب بالإسلام

منار هايس

 

يشهد المشهد السياسي الأمريكي تحوّلًا عميقًا يتمثّل في صعود التيار القومي المسيحي الذي أعاد الرئيس السابق دونالد ترامب صياغته ليكون ركيزة فكرية للتحالف الجمهوري الجديد. هذا التيار يمزج بين النزعة الدينية والهوية القومية البيضاء، ساعيًا إلى إعادة تعريف الولايات المتحدة كـ”أمة مسيحية رسالية”، تواجه ما يراه أنصارها “تآكل القيم الغربية” بفعل العولمة الليبرالية وتعدّد الهويات.

لكن هذا التحوّل لا يقف عند حدود السياسة الداخلية الأمريكية، بل يمتدّ أثره إلى الساحة الدولية، حيث يعيد إنتاج منطق “الحرب المقدسة” في سياق سياسي معاصر، مما يوفّر بيئة خصبة لعودة خطابات التطرف الديني في العالم الإسلامي كردّ فعل نفسي وسياسي على تديين السياسات الغربية.

لم يعد الخطاب الديني في الولايات المتحدة حكرًا على الأوساط الإنجيلية أواليمين الديني التقليدي، بل أصبح جزءًا من منظومة الحكم والتشريع والتوجيه الاستراتيجي. تظهر معالم هذا التحوّل في مبادرات مثل “مشروع 2025”، وفي إعادة إدماج الرموز المسيحية داخل الخطاب الوطني، وتزايد التداخل بين مفهومي “الدفاع عن الإيمان” و“الدفاع عن أمريكا”.

هذا الخطاب الجديد يجعل السياسات الأمريكية تُقرأ في العالم الإسلامي بوصفها ذات طابع ديني–أيديولوجي، لا سياسي–استراتيجي.

الحرية الحقيقية

فعندما يصرّح بعض القادة المحافظين بأن “الحرية الحقيقية لا تكون إلا للمؤمنين بالمسيح”، يبدو ذلك في نظر الجمهور المسلم كخطاب إقصائي يكرّس المركزية المسيحية على حساب التعدّدية الحضارية.

ولطالما أثبت  التاريخ الحديث أن كل موجة تديين في الغرب تولّد ردًّا دينيًا مقابلًا في الشرق. فمع تنامي نفوذ التحالف الصهيوني–الإنجيلي خلال العقدين الماضيين، برزت موجات من التشدد في الخطاب الإسلامي، أعادت تأطير الصراع مع الغرب باعتباره “عقائديًا” لا سياسيًا فحسب.

ومع اتساع تأثير القومية المسيحية في الولايات المتحدة، تتزايد المخاوف من أن يعيد هذا الاتجاه إنتاج هذا المنطق بصورة أوسع، خاصة في مناطق الهشاشة السياسية والاجتماعية مثل الساحل الإفريقي، وبلاد الشام، واليمن. إذ يسهل على الراديكاليين توظيف الخطاب الأمريكي لتغذية العداء الغربي للإسلام.

فيما تسهم هذه التحولات في إعادة إنتاج الثنائية القديمة بين “الإيمان” و“الآخر”، لتقويض فكرة الشراكة الحضارية واستبدالها بمنطق صدام الهويات.

ومع انخراط المنصات الإعلامية والدينية في الجانبين في تغذية هذا الخطاب المتقابل، تتحوّل

المفاهيم الدينية إلى أدوات تعبئة سياسية، ويتراجع صوت الاعتدال أمام تصاعد خطاب الهوية والانتماء العقائدي.

تغذية التطرف المتبادل بين التيارين الدينيين – الغربي والإسلامي – قد تقود إلى موجة جديدة من الاستقطاب العالمي تتجلى في:

تصاعد اليمين الديني في الغرب مقابل تنامي التشدد في الشرق.

تعقيد مهمة بناء خطاب عربي–إسلامي معتدل تجاه واشنطن.

تمدّد الجماعات المتطرفة تحت شعارات “المقاومة العقائدية”.

إضعاف برامج الإصلاح الديني ومكافحة التطرف نتيجة فقدان المصداقية الأخلاقية للغرب عندما يربط الدين بالسياسة.

الخلاصة والتوصيات

إن صعود القومية المسيحية الأمريكية لا يمثل مجرد تحدٍ داخلي للولايات المتحدة، بل يشكّل تهديدًا لتوازن الخطاب الديني العالمي، إذ يعيد صياغة العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي ضمن أطر دينية–أيديولوجية بدلًا من منطق المصالح والسياسات الواقعية.

وللحدّ من تداعيات هذا المسار، توصي الورقة بما يلي:

1. بلورة خطاب عربي–إسلامي عقلاني يفصل بين مواقف الدولة الأمريكية والتيارات الأيديولوجية داخلها.

2. تعزيز الحوار بين المؤسسات الدينية المعتدلة في الجانبين لتقويض الخطاب اللاهوتي الصدامي.

3. إعادة تعريف مفهوم التحالف الحضاري بوصفه مشروعًا قيميًا مستقلًا لا ردّ فعل على الغرب.

4. مراقبة أثر اليمين الديني الأمريكي على الملفات الإقليمية الحساسة، خصوصًا: التطبيع، القدس، والعلاقات مع الدول العربية المحورية، مع التركيز على استعادة مركزية القضية الفلسطينية في الوعي العربي والإسلامي.


مشاهدات 65
الكاتب منار هايس
أضيف 2025/10/24 - 8:46 PM
آخر تحديث 2025/10/24 - 11:30 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 585 الشهر 16453 الكلي 12156308
الوقت الآن
الجمعة 2025/10/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير