الحقيقة العارية

ثامر محمود مراد

في زمنٍ أصبح فيه المسرح الحقيقي هو الرصيف، والممثلون يسيرون حفاة على إسفلتٍ ساخن من الخيبات، لم يعد للخشبة معنى سوى كونها مرآةً باهتة لما فقدناه. هناك، في الشارع الذي يضجّ بالحياة الممزقة، تنكشف الوجوه بلا أقنعة، وتتعثر الخطوات بثقل الزيف الذي حملناه طويلاً دون وعي. الواقع لم يعد يحتاج إلى كاتبٍ أو مخرج، فهو يُبدع مشاهدَهُ بمهارةٍ قاسية لا ترحم، ويمنح أدوار البطولة لمن لا يستحق، ويُقصي الصادقين إلى ظلال الأزقة. حين يسدل الليل ستاره، تبدأ البروفة الصامتة للنفس، حيث لا جمهور ولا تصفيق، فقط ضوءٌ خافت من ضميرٍ مثقوب. هناك تتكلم الحقيقة، متلعثمةً من فرط ما أُسكتت، وتواجهنا بصورتنا المائلة في مرآةٍ متشققة. نكتشف أننا كنا نرتدي كلماتٍ أنيقة لإخفاء خوائنا، وأن “الحرية” التي ادّعيناها لم تكن سوى سترةٍ فضفاضة نستر بها خوفنا من المواجهة. العجائبية ليست في الواقع، بل في قدرتنا على التعايش مع زيفه بطمأنينة العادة. الغرابة أن نُصفّق للكذب لأنه يتحدث بلغةٍ مهذبة، وأن نغضب من الحقيقة لأنها تأتي عارية. نحن اللصوص الذين سرقوا صدقهم بأيديهم، ثم اختبأوا خلف إصبعٍ صغير من الادعاء، ظانين أن العالم لن يرانا. إن الحياة ليست عرضاً يُقدَّم على المسرح، بل صراعٌ يوميّ في زوايا الواقع، حيث لا موسيقى تمهّد للمشهد ولا ستار يُسدل في النهاية. هناك فقط الحقيقة، عاريةً، باردةً، تنتظر من يجرؤ على النظر إليها دون أن يختبئ خلف ظلّ الكلام.