مخاطر وتداعيات الغلو والتطرف على مصير ألامة
قتيبة آل غصيبة
لم يعد الغلو والتطرف في العالمين العربي والإسلامي مجرد انحراف ديني أو رد فعل اجتماعي؛ بل تحوّلا إلى أداة تخريب استراتيجي يُعاد تشغيلها كلما احتاجت قوى داخلية أو خارجية إلى إعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة، والمشكلة الأكبر اليوم ليست في وجود التطرف؛ بل في وجود جهات قادرة على صناعته وإدارته واستخدامه كورقة ضغط على حكومات المنطقة.
لقد آن الأوان لتبني خطاب أكثر وضوحاً؛ فالتطرف ليس ظاهرة طبيعية؛ بل مشروع سياسي بأدوات دينية.
١.البيئة التي يُصنع فيها التطرف:
صُنّاع القرار بحاجة إلى الاعتراف بأن البيئة التي يُنتج فيها التطرف ليست محض صدفة، إنها بيئة تُصمَّم بوعي عبر:
أ. تفكيك الدولة الوطنية وإضعاف القانون لصالح الهويات الطائفية.
ب. استغلال الدين من قبل أحزاب وجماعات تمتلك السلاح والمال.
ج. تعطيل المؤسسات التعليمية والثقافية التي يمكن أن تنتج وعياً مضاداً.
د. استثمار القوى الخارجية في الانقسامات الداخلية عبر دعم مجموعات متشددة أو سلوكيات سياسية تغذي الكراهية.
إنها ليست تحليلات أكاديمية؛ بل حقائق تتكرر في العراق وسوريا واليمن وليبيا وأفغانستان وحتى في بعض دول الخليج وشمال إفريقيا.
٢. دور بعض المستشرقين والمفكرين الغربيين… وتقديم نظرية صناعة «الإسلام الخطر»:
من الخطأ التعامل مع الفكر الاستشراقي الجديد كقراءات بريئة؛ فبعض هذه المدارس لعبت دوراً محوريًا في:
أ. ترسيخ صورة الإسلام كعدو حضاري.
ب. تغذية الانقسامات المذهبية عبر تقديمها كصراعات وجودية.
ج. إنتاج خطاب إعلامي يربط الإسلام بالعنف بطريقة منهجية.
د. دعم سياسات الفوضى في الشرق الأوسط عبر توصيات “مراكز التفكير” التي تخدم مصالح الدول الكبرى.
إن هذه الأفكار لم تبقَ في الكتب؛ بل تحولت إلى خطط عملياتية بعد غزو العراق سنة 2003؛ حين استُخدمت الهويات الدينية لتفكيك مؤسسات الدولة وتحويل البلد إلى نموذج للتفتيت.
٣.العراق بعد 2003… عندما يصبح البلد مسرحًا لإدارة الفوضى:
من أهم الدروس التي يجب أن تستوعبها القيادات العربية وألاسلامية أن العراق لم يُدمر فقط بالاحتلال العسكري؛ بل تم تدميره مرة أخرى عندما:
أ. تم بناء نظام سياسي طائفي يضمن الصراع الدائم بين مكوناته.
ب. فَتحُ الأبواب للميليشيات لتحل محل الدولة.
ج. تحوّلت الفتاوى إلى أدوات تعبئة مسلحة تخدم مشاريع خارجية.
د. تحوّل الإعلام إلى مصنع للكراهية.
ھ. استخدام الأرض العراقية كساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية.
فكانت النتيجة؛ بلد غني وشعب شاب وثروات هائلة؛ لكنه يعيش إلى اليوم في حرب هوية لم تتوقف منذ 2003.
٤.الجهات المستفيدة من الغلو والتطرف:
السؤال الذي يجب أن يُطرح بجرأة على طاولة صُنّاع القرار:
من المستفيد من بقاء العراق وعالمنا العربي والإسلامي غارقاً في الغلو والكراهية؟
الإجابة واضحة:
أ. قوى دولية تريد شرقاً أوسطاً ضعيفاً ومنقسماً يمكن التحكم به؛ وألاستمرار بنهب ثرواته.
ب. دول إقليمية تستخدم التطرف كأداة توسع عبر وكلائها.
ج. جماعات محلية تستمد بقاءها من استمرار الأزمات.
د. شبكات اقتصادية وأمنية تستفيد من اقتصاد السلاح والفوضى.
٥. دور الحكومات في تفادي مستقبل سيئ
الواقع اليوم ينذر بتوسع التطرف بأشكاله الجديدة:
أ. تطرف سياسي يشرعن الفساد والطائفية.
ب. تطرف مذهبي يغذي الانتقام والكراهية.
ج. تطرف اجتماعي يُنتج أجيالًا لا تؤمن بالدولة بل بالفصائل.
د. تطرف إعلامي يضخم العنف ويشرعن الاقتتال الداخلي.
وما لم تتحرك النخب وصُنّاع القرار؛ فإن هذه الظواهر ستتقاطع لإنتاج جيل منقسِم لا يمكن السيطرة عليه؛ وبيئة سياسية متقلبة قابلة للانهيار عند أي صدمة دولية.
٦. إعادة بناء الدولة:
يجب الدعوة لإعادة بناء الدولة ذاتها؛ من خلال:
أ. إحياء مؤسسات الدولة الوطنية وإنهاء منطق الميليشيات.
ب. إصلاح التعليم الديني والمدني لإزالة البذور الفكرية للتعصب.
ج. مراقبة التمويل الخارجي الذي يغذي جماعات العنف.
د. إنهاء الاستثمار السياسي في الهويات الطائفية.
ھ. بناء استراتيجية إعلامية تستأصل خطاب الكراهية لا أن تروّجه.
و. تطوير شراكات عربية وإسلامية تحمي مصالح دولنا العربية والإسلامية بدلاً أن تجعلها جزءاً من مشاريع الآخرين.ختاما، فإن الرسالة التي يجب أن تُقرأ جيداً؛ هي إن الغلو والتطرف اليوم ليسا تهديداً لفئة دون أخرى؛ بل هما تهديد لوجود الدول ذاتها، وإن ترك المجتمعات تُدار بالخطاب الطائفي؛ وتُغذّى بالكراهية؛ وتُقسّم إلى هويات متصارعة؛ لا يعني سوى شيء واحد؛ هو:
مستقبل عربي وإسلامي هشّ؛ تُقرّر ملامحه العواصم الكبرى لا عواصم المنطقة، فالمعركة اليوم ليست معركة ضد جماعة متطرفة…
بل معركة من أجل بقاء الدولة، والمسؤولية ستبقى على طاولة صُنّاع القرار...