الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراقيون والصحة النفسية

بواسطة azzaman

العراقيون والصحة النفسية

قاسم حسين صالح

 

احتفل العالم في 10 اكتوبر الجاري باليوم العالمي للصحة النفسية بوصفه حق عالمي من حقوق الانسان و فرصة لإذكاء الوعي بقضايا الصحة النفسية وتعبئة الجهود من أجل دعمها.

 وسيكولوجيا، يهدف علم الصحة النفسية الى وصول الأنسان لحالة من التوافق النفسي مع ذاته و الآخرين ، وقدرته على مواجهة الأزمات بشكل ايجابي ،وتوفير الحلول لها، وتوظيف طاقاته للوصول الى حالة اكثر استقرارا وانسجاما ، والتكامل بين خصائص شخصيته في جوانبها العقلية والأنفعالية ،واستثمار طاقاته المختلفة بما يحقق اهدافه في الحياة.

  ومع أن الدين الأسلامي اكد على الصحة النفسية،ووصفها بأنها حالة التوافق النفسي مع الذات ومع الآخرين، والتوازن الداخلي، والقدرة على مواجهة صعوبات الحياة بشكل إيجابي، فان قادة احزاب الأسلام السياسي في العراق عملوا بالضد منها.

العراقيون.. والأحتراق النفسي

وهذا الاحتراق مفهوم في الصحة النفسية يشير الى حالة من التعب والاحباط وهبوط الأداء الوظيفي ناجمة عن ضغط الجهد النفسي في العمل، أو من جراء التكريس لقضية معينة او لطريقة معينة في الحياة او لعلاقة معينة ولكنها تفشل في انتاج الغاية المطلوبة . ومن اسباب الاصابة بــه: التركيبة الشخصية للفرد الواقع تحت تأثير اتجاهات فكرية ووظيفية غير واقعية، كأن يرسم لمستقبله اهدافا» لا يستطيع تحقيقها على مستوى الواقع فيصاب بخيبة امل واحباط تؤدي الى احتراقه نفسيا» ، وحين تسود بيئة العمل البغضاء والحسد والتسقيط، واتباع الادارة اسلوبا» سلطويا» لا يحترم انسانية العاملين ،وحين يرى أن من دونه كفاءة يأمر وينهي ويجلس على كرسي أكبر من حجمه ،وحين يرى ان من لا يمتلك  المؤهلات يعّين ملحقا  ثقافيا في السفارات العراقية، أو حين يشعر أن الحال قد تردّى وصار على وصف الشاعر: ( تمزقت حتى لم أجد فيك مرقعا ) فيكفر بالقيم والوطن.

 ولأننا معنيون بما حصل للعراقيين من تزايد اخطر ثلاث ظواهر اجتماعية تهدد الصحة النفسية..(الطلاق،المخدرات،الانتحار)..اليكم موجز بما حصل:

شهد المجتمع العراقي ارتفاعاً بنسب الانتحار،خصوصاً بين الشباب والمراهقين( الحياة، كانون الثاني 2016)

حصلت وزارة حقوق الإنسان على معلومات مؤكدة بزيادة حالات الانتحار بمحافظة كربلاء غالبيتها من الشباب والفتيات،وسجّل أحد الباحثين في دراسة لمدة 11 شهراً أكثر من 120 حالة انتحار أو محاولة انتحار،(الناطق باسم وزارة حقوق الانسان) .

كشفت قيادة شرطة محافظة ذي قار أن حصيلة حالات الانتحار المسجلة لدى الشرطة منذ مطلع العام 2013 ولنهاية آيار بلغت 17 حالة لأشخاص لا تزيد أعمارهم عن 25 سنة (السومرية نيوز ،ايار 2013)

نشرت مفوضية حقوق الإنسان العراقية في مارس/آذار 2014، إحصائية،كشفت عن تصدر المحافظات الجنوبية النسب الأعلى في الانتحار،في مقدمتها ذي قار بـ(199) حالة في2013(القدس العربي).وفي تصريح أحدث للقضاء العراقي:تصدرت بغداد وكربلاء وذي قار حالات الانتحار للعام(2016) بواقع 22،23،38 حالة على التوالي(الحرة عراق،5/7/2017).

اثارتزايد حالات الانتحار بين الشباب والفتيات بمحافظة ذي قار المزيد من القلق بين الأوساط الشعبية،داعين الجهات المعنية التدخل لمعالجة أسباب ودوافع الانتحار والحد من هذه الظاهرة الآخذة بالتزايد( المدى ).

حالة من القلق والخوف تشوب الشارع الشعبي البصري بعد تزايد حالات الإنتحار في المحافظة ووصولها درجات مقلقة تقترب من الظاهرة(غوغل).

تحليل سيكولوجي

تتحدد الاسباب التقليدية للانتحاربثلاثة:البطالة والفقر وتقاليد اجتماعية متخلفة، والذي حصل بعد التغيير،تزايد شدة وحدة الاسباب التقليدية هذه،اذ اشارت التقارير الى ان نسبة البطالة بمحافظة ذي قار بلغت (34 بالمئة)،فيما تعدى عدد من هم دون مستوى خط الفقر (13)مليون عراقيا بحسب وزارة التخطيط..وزاد عليها ظهور أسباب عراقية جديدةّ! للأنتحار نوجزها بالآتي:

الشعور بالضياع، وانعدام المعنى من الوجود في الحياة ،وتعاطي المخدرات،وضعف الوازع الديني،والتفكك الأسري لدى الشباب.

توالي الخيبات. صبر العراقي خمس سنوات بعد (2003) ثم خمسا،ثم خمسا..ولأن للصبر حدود،وقدرة على التحمل،فان البعض من الذين نفد صبرهم عمد الى الانتحار بوصفه الحل الأخير لمشكلته.

الشعور بالحيف والندم.تجري لدى بعض الشباب مقارنة بين شخصه وقدراته وقيمه وبين آخرين يحتلون مناصب بمؤسسات الدولة يقلّون عنه خبرة وكفاءة وقيما،مصحوبا بشعور الندم على اضاعة الفرصة..فيعاقب نفسه بقتلها.

الاكتئاب واليأس والوصول الى حالة العجز. حين يجد الفرد أن الواقع لا يقدم له حلّا لمشكلته،ويصل مرحلة اليأس والعجز،فانه يلجأ لانهاء حياته.وهنالك اكثر من حادثة بينها انتحار ست نساء في النجف قبل سبعة أعوام جاءت بسبب وضع اطفالهن الصعب،ولأنهن لم يستطعن اعالتهم فإنهن اخترن الانتحار بشكل جماعي.

فشل السلطة واستفرادها بالثروة. تعرّف السياسة بأنها فن ادارة شؤون الناس،وما حصل في العراق ان الطبقة السياسية عزلت نفسها مكانيا ونفسيا في عشرة كيلومتر مربع لتعيش حياة مرفهة وتركت الناس يعيشون حياة الجحيم،ولم تستجب لمطالبهم وتظاهراتهم من شباط ( 2011 الى 2021).

اشاعة الأحباط.يعمد الأعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي الى اشاعة الاحباط ،بمواصلة العدّ التنازلي للأمل،لاسيما في تغريدات عبر الفيسبوك من قبيل:

شعب سلبي رافض لكل فعل باتجاه خلاصه.

تغيير الحال بالعراق..حلم ابليس بالجنة.

مع ان اغلب الفاسدين يعترفون بانهم سرقوا الشعب..فانه سيعيد انتخابهم..وقد صدقوا! فقد حدث ذلك فعلا في انتخابات( 10 تشرن 2021)،اذ كان بين الفائزين من يعدّ مسؤولا مباشرا عن تزايد حالات الأنتحار..وباستمرار ما حصل مع توالي الخيبات،فان الانتحار يكون نهاية محسومة لدى من تصل لديه الحال..درجة الصفر.

نكتفي بذلك ..ونختتم بتوجيه اقتراح الى الحكومة العراقية والبرلمان المقبلين نلخصه بالآتي:

  نبدأ هذه المقترحات بحقيقة تعافي الصحة النفسية لدى العراقيين بعد انتفاضة تشرين،اذ لم تسجل حالات انتحار بعد انتفاضة تشرين/اكتوبر ،ولأربعة اشهر ،فيما ارتفع عددها بنسبة 8،5 بالمئة في عام 2020 وفقا لمفوضية حقوق الأنسان، وسبب ذلك..سيكولوجي خالص هو ان انتفاضة تشرين انعشت الصحة النفسية واحيت شعور التعلق بالحياة لدى الشباب فيما اخمدته احداث 2020.

ولمعالجة اخطر الظواهر المهددة للصحة النفسية بين شباب العراق فاننا نقترح:

1.  توحيد جهود المؤسسات المعنية بالصحة النفسية ،واقسام علم النفس والارشاد التربوي والنفسي وعلم الاجتماع في الجامعات العراقية،بالتنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ،لوضع استراتيجية علمية تنفذ على مراحل.

2.  عقد ندوة تدعو الكتّاب والمثقفين ووسائل الأعلام الى التوقف عن اشاعة ثقافة التيئيس،ونشر الثقافة التي تشيع التفاؤل والتعلّق بالحياة،وتقديم برامج تخصصية تستهدف كيفية التعامل مع الضغوط النفسية برؤية سيكولوجية على غرار البرنامج الدرامي (حذار من اليأس) الذي كنّا نقدمه من اذاعة بغداد على مدى سبع عشرة سنة وما يزال العراقيون يتذكرونه.

3.  دعوة الصحف والمواقع العراقية الى تبني هذا المشروع اعلاميا وثقافيا بالتنسيق مع الجمعية النفسية العراقية.

 مؤســــــــس ورئيس الجمعية النفسية العراقية


مشاهدات 35
الكاتب قاسم حسين صالح
أضيف 2025/10/12 - 4:29 PM
آخر تحديث 2025/10/13 - 3:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 129 الشهر 8309 الكلي 12148164
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير