الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
البصرة .. جرح العراق المفتوح

بواسطة azzaman

البصرة .. جرح العراق المفتوح

حيدر عبد الجبار البطاط

 

البصرة الفيحاء جوهرة الجنوب وعمود الاقتصاد العراقي لم تعد تلك المدينة التي تغنّى بها الشعراء وافتخر بها التاريخ.

فحيث كان الماء ينساب من شط العرب كالسحر صار اليوم يحمل الموت في كل قطرة.

من باطن أرضها يُستخرج النفط الذي يغذي الموازنة العامة للعراق لكن أبناءها لا يجدون ماءً نقياً يرويهم ولا هواءً نقيًا يتنفسونه.

كارثة بيئية وإنسانية صامتة

تنتشر في البصرة الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية بصورة مروعة حتى غدت المقابر شاهدة على تقصيرٍ رسميٍ طويل الأمد.

لم تسلم منها الأمهات ولا الأجنة بل حتى الكائنات الأخرى — فالمياه ملوثة والأسماك نافقة والطبيعة تصرخ ألماً تحت وطأة التجاهل.

لقد تحولت المدينة التي كانت تُعرف بـ ( فينيسيا الشرق ) إلى لوحة حزينة من الملوحة والتلوث والعطش.

مياه الصرف الصحي تُصب في الأنهار ومصافي النفط تبث سمومها في الهواء والأراضي الزراعية تموت عطشًا بعد أن كانت جناتٍ خضراء.

وما يُوجع أكثر أن كل ذلك يحدث في محافظةٍ تنتج أكثر من 90 بالمئة من نفط العراق!

مأساة الإنسان في أرض الخيرات

تُضاف إلى هذه الكارثة البيئية مآسٍ إنسانية لا تقلّ قسوة .

جيوشٌ من العاطلين عن العمل وخريجون يحملون شهاداتهم بحثًا عن فرصةٍ لا تأتي ومئات الآلاف من الأرامل والأيتام والجرحى والمحرومين.

أطفالٌ مشرّدون في الشوارع بلا تعليمٍ ولا مأوى ووجوهٌ أرهقها الجوع واليأس في بلدٍ يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم.

اليوم يعيش أكثر من عشرة ملايين عراقي تحت خط الفقر وأربعة ملايين عاطل عن العمل وأكثر من مليونَي أرملة و ما يقارب مليون طفل مشرّد فيما يعتمد خمسة وعشرون مليون مواطن على البطاقة التموينية للبقاء على قيد الحياة.

أرقامٌ مفزعة تكشف حجم الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الذي يهدد كيان الدولة ذاته.

فساد يلتهم الوطن

شبكات تنهب

الفساد لم يعد ظاهرةً عابرة بل منظومةً راسخة تنهش جسد الوطن.

عصابات تهرّب النفط وشبكات تنهب الثروات ومناصب تُباع وتُشترى بالمال العام.

المؤسسات تُدار بالمحسوبية والمنسوبية والبنى التحتية منهارة والتعليم متخبط بمناهج لا تصنع عقلاً ولا تبني وطنًا والزراعة والصناعة مشلولتان فيما تتكدس الديون دون أي رؤية اقتصادية شاملة.

انتشار المخدرات وتفكك القيم و ضياع التخطيط في الاقتصاد والمجتمع والصحة والبيئة.

حتى السيادة لم تسلم فملفات خطيرة مثل خور عبدالله ما زالت شاهدة على التفريط المتعمد بالأرض والحقوق العراقية وسط صمتٍ رسمي لا يليق بدولةٍ عريقة مثل العراق.

نقطة اللاعودة تقترب

إذا استمر الحال على ما هو عليه فإن الخبراء يحذرون

خلال عشر سنوات فقط قد لا تبقى في العراق قطرة ماءٍ صالحة للشرب.

ستُباد الملايين من البشر والكائنات وستتحول أرض الرافدين إلى صحراءٍ جرداء.

إنها ليست نبوءة بل نتيجة حتمية لتراكم الإهمال وغياب التخطيط والاستنزاف المستمر للبيئة والمياه.

رؤية للإنقاذ… قبل فوات الأوان

إنقاذ البصرة هو إنقاذ للعراق

لابد من خطة وطنية شاملة تتعامل مع الواقع بحجم التحدي ترتكز على

- تبنّي اقتصاد مستدام يحترم البيئة والإنسان.

- إعادة تدوير مياه الصرف الصحي واستخلاص الماء منها لتقليل الهدر.

- دعم الطاقة النظيفة والاعتماد على العلم والتقنية في توليد الطاقة.

- إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية.

- محاربة الفساد بجدية لا بالشعارات.

- تفعيل العدالة الاجتماعية وتمكين الفئات المهمشة.

إن البصرة لا تطلب المستحيل بل تطلب حقها في الحياة.

حقها في ماءٍ نقي وهواءٍ نقي ومدرسةٍ تخرّج علماء بدل العاطلين ومؤسساتٍ تخدم الشعب بدل أن تسرقه. تطلب أن تكون كما أرادها الله ( منارةً للخير والنماء لا مسرحاً للألم والفوضى )

صرخة الجنوب إلى ضمير الوطن

هذه ليست مجرد دعوة للإصلاح بل نداء من قلب العراق إلى ضميره.

فإذا ماتت البصرة ماتت روح العراق.

وإذا نهضت البصرة نهض الوطن كله.

أنقذوا البصرة… أنقذوا العراق

 


مشاهدات 84
الكاتب حيدر عبد الجبار البطاط
أضيف 2025/10/07 - 3:18 PM
آخر تحديث 2025/10/08 - 8:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 212 الشهر 4981 الكلي 12044836
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير