الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السلام من أرض السلام

بواسطة azzaman

السلام من أرض السلام

فؤاد مطر

 

ثمة وجهة نظر أميركية منصفة في مقابلة صحافية (أغسطس/ آب 1979) وردت فيها للرئيس جيمي كارتر العبارة الآتية: «إن القضية الفلسطينية تُشبه حملة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة». ولمجرد نشْر المقابلة متضمنة هذه العبارة الموضوعية قامت قيامة «اللوبيات» الصهيونية على أنواعها ضد الرئيس، ثم بلغ الغضب عليه أشده وأتى من مناحيم بيغن الذي أوجزه في تصريح «إننا موجودون ولا نتطلع لأن يعترف أحد بوجودنا. إنها إهانة للإدراك...».

معاهدة كامب

وجهة نظر الرئيس الأميركي (التاسع والثلاثين) قالها قبْل نحو خمسة أشهر من إستضافته الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن ونجاحه في جمْع الجانبين على ما عُرف ب «معاهدة كامب ديفيد» التي جرى يوم 26 مارس/ آذار  توقيع السادات وبيغن عليها وكذلك توقيع الشاهد العرَّاب جامع الرئيسيْن بالحلال، أما سائر القضايا فيصار إلى معالجتها، وها هي ما زالت قيد المعالجة الأميركية وستبقى عالقة إلى أن يأتي رئيس أميركي يكون الرئيس العدل الذي إذا تصرّف كوسيط يعتمد الحياد ويخشى رب العالمين، وبذلك لا ينحاز مئتين في المئة إلى جانب الطرَف المعتدي تاركاً للطرَف المعتدى عليه، وهو هنا القضية الفلسطينية بكل مآسيها وفواجع الناس، إهتماماً رمزياً.

نقول ذلك في ضوء القراءة المتأنية للمبادرة العشرينية التي طرحها الرئيس ترمب والتي أصلاً ما كانت لتشق طريقها نحو إمكانية الحل لولا الإشادات العربية والإسلامية بها. وهي من منطلق إبقاء عزيمة الرئيس ترمب عليها وبحيث لا تتأثر بعناد رئيس الحكومة الإسرائيلية، كما أنها بأمل إلحاق المبادرة الغزاوية، بمبادرة بروحية ما قاله الرئيس كارتر الذي هو رمز تحويل المستحيل إلى ممكن وبشحن فكري متدرج له من جانب هنري كيسينجر. والمستحيل الذي نعنيه هو جمْع رئيس مصر ورئيس وزراء إسرائيل على كلمة سواء كانت إتفاقية «كامب ديفيد». هنا وجوب الملاحظة أن مصر منذ توقيع تلك المعاهدة وهي تلتزم السلام ولم يسجَّل عليها أي إختراق، في حين نلاحظ أن إسرائيل حكومة تلو أُخرى وبالذات الحكومة التي ترأسها أرييل شارون وتلك التي يترأسها حالياً بنيامين نتنياهو.. حكومتان إعتمدتا إفتراس خلْق الله وتدمير البنيان والتلذذ بتمويت الأطفال وكبار السن نتيجة الجوع وسوء التغذية، والعدوان على الناس بالمسيَّرات أو بالطائرات والصواريخ. وفي عهد الحكومة البنيامينة بلغ التوحش مداه. واللافت أنه لم يتوقف فيما كانت مبادرة الرئيس ترمب العشرينية قد تم نشْرها وبثها عبْر الفضائيات وقوبلت من جانب الخكومات العربية والإسلامية بالإرتياح النسبي لها.

وتحضرنا في معرض الإشارة إلى ظاهرة التوحش تقرير صحافي من لندن للزميل علي الصالح نشرتْه «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم الإثنين 3 فبراير/ شباط 2003 ويضيء بريشة الرسام الشهير ديف براون نشرتْه صحيفة «الاندبندنت» البريطانية في عددها الصادر 26 يناير/ كانون الثاني 2003 ويعكس مدى عدوانية شارون الشبيهة بعدوانية رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو. وكما حالة الدمار والخراب حاضراً فإنها كانت كذلك زمن شارون الذي جسَّده الرسام  في شكل وحش بشري يمسك بكلتيْ يديه طفلاً ويلتهمه. ومع أن شارون كما الحالي نتنياهو لم يلتهما كل منهما أطفالاً غزاويين إلاّ أنهما جسَّدا بأفعالهما ما بدا جلياً في الرسم الكاريكاتوري المشار إليه والذي جعل «اللوبيات» الصهيونية تتحرك على نحو ما حدَث تجاه الكلام التوصيفي الذي أورده الرئيس جيمي كارتر (الراحل) وهو «إن القضية الفلسطينية تشبه حملة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة...».

هنالك حقبة جديدة تبدو دول المنطقة العربية على موعد معها في حال أخذت مبادرة الرئيس ترمب طريقها إلى التنفيذ وإتخذت «حماس» موقفاً يُذكر لها بالتقدير وهو أن لا تضع عراقيل في طريق التنفيذ إنطلاقاً من أن المبادرة العشرينية لا تأخذ دور «حماس» في المشهد المأمول رسْم معالمه إقتصادياً وسياسياً للمنطقة. وهي إذا أربكت المبادرة بإصرار على برنامجها الذي أدته على مدى سنتين، فإن رصيدها الذي حققتْه سيبدأ الذبول. ومِن هنا فإن فرصة تعريب موقفها وإنخراطها في وحدة وطنية مع سائر الأطياف الفلسطينية وبحيث تلغي كما هذه الأطياف في شخصيتها الثورية وتؤسس لشخصية تعويض فلسطين عما ذهب هباءاً على مدى نصف قرن. وإنها مدعاة إستغراب أن لا تحدُث مبادرة وفاق فلسطينية تحت راية جمْع الشمل الذي يكفيه تشتتاً، ومن دون أي تريث، خصوصاً أن مجادلات نصف قرن ثوري أسهمت في أن الجانب الإسرائيلي بدأ يخطط لما هو أكثر إخضاعاً سواء كان ذلك بالعدوان أو بتحالفات إستهدفت حالات من التشقق في الموقف العربي العام من الصراع العربي – الإسرائيلي.

دور تاريخي

بعد بوادر الحل المتمثلة بمبادرة الرئيس ترمب للموضوع الغزاوي الشائك والمتشابك، بات التفاؤل خيراً بمبادرة قليلة الكلمات وتتعلق بصيغة الدولتين كأن يُلحق الرئيس الأميركي المتطلع إلى الدور التاريخي مبادرة العشرين بخطوة نوعية على طرق حسْم صيغة الدولتين. فهو أعطى إسرائيل الكثير حتى أن عطاءاته كانت على حساب حقوق الآخرين ومنها على سبيل المثال لا الحصر مبايعة إسرائيل القدس لها والجولان أرضاً تابعة لسائر الأراضي العربية المحتلة التي بات لا بد من حسْم الأمر بما يُسكت صوت الصواريخ وتملأ السماوات العربية أجواء السلام.

معظم رؤساء الولايات المتحدة أوردوا بعبارات خجولة أهمية أن تكون هنالك دولة فلسطينية. وكان كارتر دون سائر الرؤساء مقداماً بتشبيه الحالة الفلسطينية ب «حملة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة».

عسى ولعل الرئيس ترمب وقد كثرت الدول من القارات الخمس تؤيد قيام دولة فلسطينية، يهدي السلام العالمي المتعثر بارقة طمأنينة بمبادرة يحسم فيها ما تتمناه الحكومات العربية وتتضمن موافقة الولايات المتحدة كما بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايرلندا والنروج وعشرات الدول على قيام دولة فلسطينية تتيح لمسلمي العالم الصلاة في الأقصى ولمسيحيي العالم تأدية القداس في كنيسة القيامة، وبترحيب من إسرائيل التي تكون طوت صفحة العدوان على مدى ثلاثة أرباع قرن. وبذلك يبدأ السلام من أرض السلام.. وكفى منطقة الشرق الأوسط ويلات العداوة، والشر وع في ما يريده الله.

 

 


مشاهدات 92
الكاتب فؤاد مطر
أضيف 2025/10/07 - 3:17 PM
آخر تحديث 2025/10/08 - 8:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 212 الشهر 4981 الكلي 12044836
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير