مام جلال… ثمانية أعوام من الغياب الحاضر

كامل الدليمي

تمرّ اليوم الذكرى الثامنة لرحيل الرئيس العراقي الأسبق مام جلال الطالباني، الرجل الذي شكّل غيابه نقطة فارقة في مسار العملية السياسية في العراق. فمام جلال لم يكن مجرد رئيسٍ للجمهورية، بل كان صدرًا رحبًا وعقلاً نيّرًا ومفكرًا وطنيًا استطاع أن يكون عامل توازن وركيزة استقرار في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ العراق الحديث.

لقد تميز الراحل الكبير بأسلوبه السلس والمقنع، وبحكمته التي جمعت بين الحزم والمرونة، فكان حاضرًا دائمًا في أوقات الأزمات، وفاعلاً في احتواء أغلب الخلافات بين القوى السياسية. ولعل الكثير من تلك الخلافات، التي لو تُركت دون تدخل منه لكانت كفيلة بتهديد السلم المجتمعي، قد وجدت طريقها إلى الحل بفضل حضوره المتميز ونهجه القائم على الحوار والإقناع.

لقد تجاوز مام جلال، مع إخوانه من الساسة الوطنيين، الكثير من العقبات السياسية التي بدت عصيّة على الحل، وكان يحظى بإجماع وطني واحترام شعبي قلّ نظيره. فمنذ بداياته السياسية وحتى توليه منصب رئاسة الجمهورية، ظلّ رمزًا للوحدة الوطنية وصوتًا جامعًا بين مكوّنات العراق، مؤمنًا أن مستقبل البلاد لا يُبنى إلا بالتوافق والشراكة. إن ذكرى رحيله لا تستحضر فقط شخصيته الإنسانية والسياسية الفذة، بل تذكّرنا أيضًا بحاجة العراق الدائمة إلى قادة يمتلكون سعة الصدر ووضوح الرؤية وصدق الانتماء، ليكونوا جسورًا بين المختلفين لا جدرانًا تفصل بينهم.

رحم الله مام جلال، فقد غاب الجسد وبقيت السيرة حاضرة، وبقي أثره الوطني شاهدًا على أن السياسة، حين تُمارس بعقل نيّر وروح وطنية صادقة، يمكن أن تكون طريقًا إلى الاستقرار والبناء لا ساحةً للصراع والانقسام .