القطاع الخاص هو الحل
العلاء صلاح عادل
يسير العراق بخطى متسارعة نحو مرحلة خطيرة من التخمة الوظيفية في القطاع الحكومي، بعدما باتت الموازنات السنوية تُستهلك بشكل شبه كامل في بند الرواتب التشغيلية، فيما تتراجع مخصصات المشاريع الاستثمارية والتنموية. ومع استمرار الضغط الشعبي للتعيينات الحكومية، ستصل الدولة إلى مرحلة لا تستطيع معها استيعاب المزيد من الموظفين، ليس بسبب قلة الحاجة، بل بسبب عجز الموازنة عن تحمّل أعباء إضافية. إن الاعتماد المفرط على التوظيف الحكومي يحوّل الدولة إلى «دولة موظفين» بدل أن تكون «دولة مشاريع وتنمية»، حيث تستهلك الرواتب أغلب الإيرادات بينما تُهمل قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، الطاقة، والزراعة. وهذه المعادلة تخلق حلقة مفرغة تبدأ بضعف الاستثمار الذي يؤدي إلى بطالة متزايدة، وتتحول البطالة بدورها إلى ضغط اجتماعي يطالب بالمزيد من التعيينات، فتزداد الرواتب تضخمًا وتدخل الموازنة في أزمة أعمق.الحل الجذري لهذه الأزمة يكمن في تفعيل القطاع الخاص وجعله شريكًا حقيقيًا في امتصاص البطالة وتحريك عجلة الاقتصاد. ولتحقيق ذلك، لا بد من تشريع قانون خاص بالقطاع الخاص يضمن حقوق العاملين، ويوفر بيئة جاذبة للمستثمرين، ويجعل العمل فيه خيارًا مقبولًا للشباب وليس مجرد حل اضطراري. إن المدارس الأهلية يمكن أن تتحول إلى بوابة مهمة لتشغيل الخريجين الجدد والمتقاعدين فقط، مع منع ازدواجية عمل موظفي المدارس الحكومية فيها كي لا يُزاحموا العاطلين، وكذلك الحال في المستشفيات الأهلية التي ينبغي أن تلتزم بتشغيل الأطباء والممرضين العاطلين برواتب عادلة تحفظ كرامتهم. أما الجامعات الأهلية فبإمكانها أن تستوعب حملة الشهادات العليا العاطلين بدل الاعتماد الكلي على أساتذة الجامعات الحكومية، فيما يجب أن تتجه المشاريع الاستثمارية في مجالات النفط والبناء والاتصالات والتكنولوجيا إلى تشغيل الشباب وإخضاعهم لبرامج تدريبية ترفع من كفاءتهم وتمنحهم فرصًا حقيقية في سوق العمل.لقد أثبتت تجارب دول مثل تركيا والإمارات والسعودية أن القطاع الخاص يمكن أن يتحول إلى محرك اقتصادي رئيسي حين تُمنح للعاملين فيه ضمانات أساسية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي والتقاعد، وهي عوامل تعزز الثقة وتدفع الشباب إلى الاندماج فيه. لذلك فإن معالجة التخمة الوظيفية لا تكون بوقف التعيينات الحكومية فقط، بل عبر إصلاح اقتصادي شامل يجعل القطاع الخاص بيئة جاذبة وآمنة قادرة على خلق فرص العمل واستيعاب الطاقات البشرية. إن الموازنة العامة لن تستطيع الاستمرار في دفع الرواتب إلى ما لا نهاية، وحان الوقت لتحويلها إلى وسيلة لبناء المشاريع وتطوير البنية التحتية، وبذلك فقط يمكن إنقاذ الاقتصاد الوطني وفتح أبواب المستقبل أمام الأجيال الجديدة.