الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الاعتراف الدولي بفلسطين بين الرمزية والتحول الاستراتيجي

بواسطة azzaman

الاعتراف الدولي بفلسطين بين الرمزية والتحول الاستراتيجي

محمد علي الحيدري

 

الاعتراف الأخير من بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطين ليس مجرد خطوة رمزية، بل تحوّل استراتيجي يعكس إدراكًا عالميًا متزايدًا بأن الشعب الفلسطيني يمتلك حقه الطبيعي والسيادي في أرضه. في الوقت نفسه، يثير هذا الاعتراف تساؤلات حول جدواه العملية، خصوصًا في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة منذ ما يقارب العامين، حيث ارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين إلى أكثر من 65 ألفًا، معظمهم من المدنيين، وسط دمار شامل للبنية التحتية والمرافق الأساسية.

من زاوية استراتيجية، يمثل الاعتراف محاولة لتصحيح الخلل البنيوي في مقاربة الغرب للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث أثبتت سياسات الدعم غير المشروط للاحتلال والاستيطان فشلها في تحقيق الأمن أو الشرعية. لكنه في الوقت نفسه، يواجه نقدًا مشروعًا باعتباره خطوة شكلية، “حبر على ورق”، قد تُستخدم لرفع عتاب رمزي عن الدول المعترفة، من دون أن تتبعها إجراءات ملموسة لوقف المجازر اليومية في غزة.

 

التجارب الدولية السابقة، مثل كوسوفو عام 2008 وتيمور الشرقية عام 2002، أظهرت أن الاعتراف الدولي يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لإحداث تغيير حقيقي، لكنه وحده لا يكفي ما لم يُترجم إلى خطوات عملية على الأرض. في فلسطين، يكمن الخطر نفسه: يمكن أن يتحول الاعتراف إلى تبرير رمزي للدول التي طالما وقفت مكتوفة الأيدي، بينما يبقى الاحتلال والاستيطان مستمرين بلا رادع، ويستمر المعاناة الإنسانية.

الاعتراف الدولي يعيد إلى الواجهة حقيقة أساسية: الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، ولا يجوز لأي قوة احتلال أو مستوطنات غير شرعية أن تنتقص من حقه في السيادة. هو رسالة واضحة إلى الاحتلال بأن القوة العسكرية لا تمنح شرعية، وأن المجتمع الدولي بدأ يرفض الصمت على الانتهاكات. كما يوجه رسالة للفلسطينيين بأن كفاحهم من أجل دولتهم وحقوقهم الوطنية لم يذهب سدى، وأن العالم بدأ يضع إطارًا سياسيًا يتيح لاحقًا استعادة حقوقهم.

استراتيجيًا، يشكل الاعتراف ضغطًا على إسرائيل لإجبارها على التراجع عن سياسات الاستيطان وإعادة النظر في نهجها العسكري، بينما يوضح للولايات المتحدة وحلفائها أن استمرار دعم الاحتلال بلا مراجعة يفاقم العزلة الدولية ويهدد استقرار المنطقة. كما أنه يطرح على القوى الدولية خيارًا واضحًا: إما دعم الحقوق الفلسطينية الفعلية أو الانخراط في سياسة شكلية لا تغير الواقع، وتترك الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال والمعاناة.

خلاصة القول إن الاعتراف بدولة فلسطين خطوة رمزية تحمل إمكانية التحول إلى فعل استراتيجي حقيقي، لكنه بحاجة إلى متابعة دولية وإجراءات ملموسة، من حماية المدنيين إلى إنهاء الحصار، ومن محاسبة الانتهاكات إلى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الكامل في أرضه. في النهاية، الاعتراف بفلسطين ليس ضد أحد، بل ضد الاحتلال والاستيطان والحرب التي استنزفت غزة وشعبها لعقود، وضد كل سياسات العنف التي حرمت الفلسطينيين من حقوقهم الطبيعية.


مشاهدات 388
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/09/22 - 3:05 PM
آخر تحديث 2025/09/27 - 4:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 299 الشهر 19536 الكلي 12037409
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير