الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين ساحتي التحرير و اللقاء

بواسطة azzaman

بين ساحتي التحرير و اللقاء

زكي الحلي

 

ليست الساحات العامة في المدن مجرد فضاءات عمرانية، بل هي ذاكرة حيّة تختزن وجدان الشعوب، وتُعبّر عن لحظات الألم والأمل، والانكسار والنهوض. ومن بين هذه الساحات في بغداد، تبرز ساحة التحرير بما تحمله من رمزية وطنية كبرى، كما تبرز ساحة اللقاء التي احتضنت يومًا نصب “اللقاء” للفنان والطبيب العراقي الدكتور علاء بشير.

نصب اللقاء لم يكن عملًا سياسيًا أو أيديولوجيًا، بل كان عملًا إنسانيًا رمزيًا، يُجسّد فكرة اللقاء والاحتضان والتقارب بين البشر. ومع ذلك، تعرّض هذا النصب للهدم بعد التغيير، في سياق قرارات شملت العديد من النصب والمعالم التي أُدرجت ظلمًا ضمن إرث النظام السابق، رغم خلوّها من أي دلالة حزبية أو طائفية.

إن هدم نصب اللقاء يفتح باب تساؤل خطير: ماذا لو امتد هذا المنطق ليشمل نصب الحرية في ساحة التحرير؟ ذلك النصب الخالد الذي صمّمه جواد سليم، والذي أصبح رمزًا للثورة والكرامة والهوية العراقية الجامعة.

فهل يجوز أن يُنظر إلى الرموز الوطنية والفنية بعين السياسة المتغيّرة؟ وهل تُمحى الذاكرة الجمعية كلما تغيّر نظام أو خطاب؟

إن تشخيص الرموز الفنية وجرّها إلى صراعات سياسية أو طائفية يُفقدها معناها الأسمى، ويحوّل الفن من ذاكرة جامعة إلى ضحية مؤقتة. النصب الوطنية ليست ملكًا لسلطة أو مرحلة، بل هي ملك للناس، للتاريخ، وللأجيال القادمة.

بين ساحة التحرير وساحة اللقاء، يقف سؤال الوعي الثقافي حاضرًا: هل نحمي رموزنا بوصفها شواهد على إنسانيتنا المشتركة، أم نتركها رهينة الانقسام والتأويل السياسي؟ إن حماية النصب ليست دفاعًا عن حجر أو برونز، بل دفاع عن ذاكرة وطن، وعن حقه في أن يتذكّر دون خوف، وأن يختلف دون أن يهدم نفسه.

 

 

 

 


مشاهدات 104
الكاتب زكي الحلي
أضيف 2025/12/15 - 4:08 PM
آخر تحديث 2025/12/16 - 4:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 111 الشهر 11429 الكلي 12995334
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير