الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رشقات المياه بين المتحاورين إختراع عراقي

بواسطة azzaman

فم مفتوح .. فم مغلق

رشقات المياه بين المتحاورين إختراع عراقي

زيد الحلي

 

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية ، يزداد المشهد السياسي في العراق سخونة، ليس فقط من حيث التحالفات والبرامج الانتخابية المعلنة، بل من زاوية طبيعة الخطاب السياسي المتداول في المقابلات التلفزيونية والمنابر الإعلامية. لقد باتت لغة السجالات، وتبادل الاتهامات، بل وحتى توجيه «ركلات تحت الحزام»،  ورشق المياه بين المتحاورين امام الملأ ، في مشهد جاهلي ، سمة بارزة تطغى على الكثير من الحوارات، في مشهد يعكس أزمة ثقة متراكمة بين الفرقاء السياسيين من جهة، وبين المواطن والطبقة السياسية من جهة أخرى.

إن أخطر ما في الأمر أن هذه السجالات لم تعد مجرد جدل بين نخبة سياسية، وإنما امتدت لتترك أثرها المباشر على الواقع الأمني والنفسي للمواطن العراقي. المواطن الذي يترقب الانتخابات أملاً في التغيير والإصلاح، يجد نفسه محاطاً بموجات من التشكيك والتحريض، وأحياناً بالتخويف من المستقبل. وهذه الأجواء، إذا استمرت على هذا النحو، تهدد بتحويل العملية الانتخابية من مناسبة ديمقراطية للتنافس على البرامج إلى ساحة للصراع الشخصي، تغيب عنها الرؤية الوطنية الجامعة.

المطلوب، في هذه المرحلة الدقيقة، أن يتحلى الخطاب السياسي بقدر أكبر من المسؤولية والوعي. فالمقابلات التلفزيونية ليست مجرد فرصة لعرض وجهات النظر، بل هي نافذة يتابعها الملايين، وتشكل انطباعات عامة عن مستقبل البلاد. من هنا، فإن كل كلمة تُقال تحمل وزناً وتأثيراً مباشراً، وقد تشعل مشاعر الجمهور أو تطفئها. وفي بلد مثل العراق، الذي عانى كثيراً من الانقسامات والتوترات، يصبح لزاماً على القادة والسياسيين أن يلتزموا خطاباً نقياً، بعيداً عن الشحن والتحريض، يضع المصلحة الوطنية فوق المصالح الفئوية أو الشخصية.

إن نقاء الخطاب لا يعني غياب النقد، بل على العكس، فالنقد الموضوعي والبنّاء هو أساس أي عملية ديمقراطية ناضجة. لكن الفارق كبير بين النقد المسؤول، الذي يستند إلى وقائع وبرامج، وبين التجريح الشخصي أو التحريض المبطّن. المواطن بحاجة إلى أن يسمع كيف سيُدار الاقتصاد، وكيف ستُحارب البطالة، وكيف ستُعالج الأزمات الخدمية، أكثر مما يحتاج إلى سماع من هو «المخطئ» ومن هو «المصيب» في الماضي. المستقبل هو ما يهم الناس، والمستقبل وحده هو ما ينبغي أن يتصدر خطابات السياسيين.

كما أن نقاء الخطاب السياسي ينعكس إيجاباً على الأمن العام. فالكلمات التي تُقال في الاستوديوهات التلفزيونية يمكن أن تتحول إلى شعارات في الشارع، وتترجم أحياناً إلى ممارسات تؤثر في السلم الأهلي. ومن هنا، فإن التهدئة الإعلامية، والابتعاد عن الاستفزاز، لا يُعدان ضعفاً، بل قوة تعكس نضجاً سياسياً وإحساساً عميقاً بالمسؤولية الوطنية. إن العراق اليوم بحاجة إلى من يُطمئن مواطنيه، لا من يثير قلقهم. بحاجة إلى من يفتح نوافذ الأمل، لا من يضاعف المخاوف. وإذا ما استطاع السياسيون إدراك خطورة المرحلة، وضبط خطابهم بما ينسجم مع حاجة الناس إلى الاستقرار، فإن الانتخابات المقبلة ستكون فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة. أما إذا استمرت لغة الصراع الحاد، فإن النتيجة لن تكون سوى مزيد من الانقسام والإحباط.

ان الكلمة مسؤولية، والقيادة تبدأ من طريقة التعبير قبل أن تصل إلى صناديق الاقتراع. والرهان اليوم على وعي السياسيين بقدسية هذه المسؤولية، كي يبقى العراق قادراً على العبور نحو المستقبل الذي يليق بتضحيات شعبه.

يا أيها المتصارعون من أجل الكراسي، اتقوا الله في هذا الشعب المنهك، واعلموا أن الرجولة لا تكون في (التلاسن) والتحريض ورشق المياه في الوجوه ، بل في القدرة على التهدئة ورأب الصدع. فالأوطان لا تبنى بالضجيج، بل بالصدق والإخلاص والتسامح.

 

Z_alhilly@yahoo.com


مشاهدات 38
الكاتب زيد الحلي
أضيف 2025/09/13 - 1:39 PM
آخر تحديث 2025/09/14 - 1:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 45 الشهر 9364 الكلي 11927237
الوقت الآن
الأحد 2025/9/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير