الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لوحة

بواسطة azzaman

لوحة

هدى جاسم

 

هي لم تعرف الهزيمة .. لم تتخذ من حزنها زاوية تجتر منها الذكريات لتحيط نفسها بشلال الدموع من جراء فقد فلذة كبدها .. فبعد سبعة عشر عاما من النصر على كل ماهو متوقع او غير متوقع كانت رحلتها مع طفلة قدر لها ان تولد بنصف جسد وبكامل الاحساس والمشاعرتتسم بالعطاء بابهى صوره ، تحولت تلك الام بين ليلة وضحاها الى مدرسة بصفوفها المتكاملة اضافة الى ممرضة من طراز خاص وطبيبة نفسية تخرج اجمل مافي تلك الطفلة لتظهره للعالم اجمع .. كبرت الصغيرة باحساسها العالي وضياء وجهها وجمال روحها الذي حولته الى لوحات وكلمات تتطلع للسلام ونبذالكراهية وتدعو لحياة اجمل بلا معاول الحرب التي يبتكرها الاصحاء . كانت تتجول بين المعارض بكرسيها المتحرك مع عائلتها ومع تلك الام بالتحديد التي منحتها افقا لا تدركه سوى الارواح النقية التي تحلق في السماء بلا حدود ، انتبه اليها العالم وصارت مع الوقت ايقونة للتحدي والحب ونبذ الكراهية واحلى دعوة للجمال والسلام ، فازت باكثر من معرض عالمي وكان اسمها يشبه روحها التي تعلقت بين الفراشات والسماء ومعها يد حانية لاتفارقها في كل اللحظات . عندما حان موعد رحيلها نظرت من شباكها المطل على الافق البعيد لتجد لها مكانا بدا لها اجمل بكثير مما هي فيه الان ، لكنها في نفس الوقت نظرت الى رفيقة درب السنوات السبعة عشر فتوجست خيفة ان تترك وجعا قد لايشفى مع مرور الايام ، فطلبت من داخل روحها ان تظل ذكراها حية في لوحة او معرض رسم او مسابقة عالمية تداوي بها جرح قد ينزف في اي وقت . في صباح مشرق صار جسدها مكتملا كفراشة جميلة حلقت بعيدا تاركة ارثا لا يواريه التراب ، وام داهمها المرض اللعين حزنا على وجه لم تعد تراه كل يوم يشرق في صباحاتها ، لكنها وقفت كنخلة شامخة قاومت المرض واجرت اكثر من عملية جراحية وتابعت معارض ابنتها في كل بقاع الارض وهي تتلقى جوائزها وكأنها مازالت قربها بلا رحيل .. وجع المرض صار سلاحا جديدا للأم وباتت ايقونة صبر وتحد لكل من حولها لترسم لوحات جديدة كانت قد اودعتها ابنتها فيها طيلة تلك السنوات التي عاشت بها قربها ، قاومت مرضها ودخلت في عالم جديد وكأنهااليوم قد ولدت تلك الطفلة المشرقة بالحياة واليوم ادخلتها المدرسة التي صنعتها بنفسها واليوم تفوقت ورسمت لوحاتها وشاركت في معارض عالمية . هذه ليست قصة من وحي الخيال بل هي قصة سيدة وابنتها من هذا الزمان مازالت الام تعيش بيننا وكل يوم تكتب حكاية وتشارك لابنتها في معرض لتفوز بجائزة الحب الذي صنعته ولم يتركها حتى بعد الرحيل .

 

 

 


مشاهدات 88
الكاتب هدى جاسم
أضيف 2025/09/07 - 3:05 PM
آخر تحديث 2025/09/17 - 8:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 656 الشهر 12268 الكلي 12030141
الوقت الآن
الأربعاء 2025/9/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير