الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن فنزويلا التي يزعم ترامب ملكيتها

بواسطة azzaman

أذن وعين

عن فنزويلا التي يزعم ترامب ملكيتها

عبد اللطيف السعدون

 

ليس ثمة التباس في ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد من فنزويلا أن تتقدم إليه طائعة مختارة، وأن تعيد إلى بلاده «النفط والأراضي والأصول الأخرى» التي يزعم أنها كانت قد سرقتها منها، وعبر هذا المنطق الموغل في الكذب المباح يجيش «أكبر قوة تم تجميعها في تاريخ أميركا الجنوبية على الإطلاق» مهددا بتصعيد غير محدود للانتشار العسكري، ويعود مرات ليكرر أن واحدا من أهدافه هو إسقاط الحكومة اليسارية التي يتزعمها نيكولاس مادورو.

وفي نسخة سابقة من سرديته صنف «الجمهورية الفنزويلية البوليفارية» «منظمة إرهابية»، واتهمها بالاتجار بالمخدرات، وأنها مسؤولة عن تعريض آلاف الأميركيين الى الموت جراء ذلك، وقال أيضا أنها تضخ أعدادا كبيرة من المهاجرين الذين يمثلون مافيات الجريمة المنظمة الى الولايات المتحدة، وفي تغريدة لاحقة قرر اعتبار مخدر «الفنتانيل» الذي يزعم أن حكومة مادورو تتاجر به سلاح دمار شامل، مع أنه مصنف علميا كمخدر طبي فائق الفعالية يستخدم في حالات خاصة، ولا صلة لحكومة كاراكاس بتصنيعه ولابتصديره.

ما يريده ترامب من مضامين سرديته المتهافتة التي تفتقد أية مشروعية قانونية أو تاريخية أن يقوم الفنزويليون بتسليم نفطهم، وكذا ثرواتهم الأخرى، الى الشركات الأميركية لأنهم مثل العراقيين الذين قال عنهم مرة أنهم يعومون على بحر من النفط لكنهم لا يعرفون كيف يستخدمونه، ولأن الأميركيين أحق به على وفق منطق الهيمنة الجائر الذي عبرت عنه استراتيجية الأمن القومي التي أقرتها واشنطن مؤخرا، والتي أعادت التذكير بدبلوماسية «العصا الغليظة» سيئة الصيت التي شرعنها الرئيس روزفلت.

 أرباح هائلة

ومعروف أن النفط الفنزويلي كان قبل مئة عام بيد كارتل الشركات الأميركية التي استغلته محققة أرباحا هائلة منه تاركة الفتات لمالكيه الفنزويليين، وفي ظل حكام وطنيين قدر لفنزويلا أن تحظى بهم في أكثر من مرحلة تم تحرير الثروة النفطية من خلال سلسلة خطوات اتخذت مسارا تصاعديا منذ أربعينيات القرن وصولا الى حكومة الزعيم اليساري هوغو تشافيز التي وضعت الصناعة النفطية تحت سيطرة الدولة بشكل كامل، وهو ما أغاظ الأميركيين، ودفعهم للكيد لنظام كاراكاس دائما.

تلتقي سردية ترامب هذه مع سردية مقاربة طرحتها أطراف يمينية معارضة تقيم في الولايات المتحدة، تقودها ماريا كورينا ماتشادو التي تحظى بدعم واشنطن ورعايتها، والتي لم تتورع عن دعوة الأميركيين لغزو بلادها، كما وعدت بإعطاء النفط إليهم في حال وصولها إلى الحكم على غرار الوعد الذي قطعه حكام العراق الحاليون على أنفسهم قبل أن تسلمهم الولايات المتحدة الحكم إثر احتلالها لبلادهم.  

وعلى ذكر ماتشادو فإن غالبية قطاعات الشعب الفنزويلي، حتى المعارضة منها لمادورو، لا تتفق مع طروحاتها، وتنظر إليها على أنها دمية عميلة لواشنطن، وتقف تلك القطاعات في مواجهة أي تدخل أميركي في شؤون بلادهم، ويقول ناشطون مستقلون معارضون أنه إذا كان تغيير مادورو مطلوبا فليكن بيد الفنزويليين أنفسهم، وليس بيد قوة أجنبية تغزو بلادهم، وأمام أعينهم تجربة العراق التي أطاحت بنظامه الوطني وأمعنت في خرابه ودماره.

وبالعودة إلى فنزويلا، لا يمكن تحليل سردية ترامب باعتبارها تهديدا خطابيا يسعى لفرض حالة معينة في الحيز الجيوسياسي الذي ترى واشنطن أنه يمثل ملكية خاصة لها لا تنازعها فيها قوة أخرى فحسب إنما هو سعي ديناميكي محموم ومحسوب لنزع الشرعية عن فنزويلا كدولة ذات سيادة، وتحويلها إلى كيان إجرامي لا مجال للتفاوض معه أو إلزامه باتباع قواعد معينة، وهنا يسوق إجراءات غير شرعية قيد التطبيق، الحصار، مصادرة السفن، استخدام القوة، في مسار عملي يريد من خلاله تقرير واقع مغاير ليس لفنزويلا فحسب إنما للقارة اللاتينية كلها، ويعيد تشكيلها كحديقة خلفية لأميركا كما كانت في مرحلة سابقة، وهذا هو ما لوحت به الاستراتيجية الأمنية الجديدة المتوافقة مع طموحات ترامب الشخصية في قيادة العالم، والهيمنة على مقاديره وثرواته.

كما لا يمكن فصل هذا المسار عن مسارات أخرى تعمل الادارة الحالية على تسعيرها في الشرق الأوسط، وفي أفريقيا وآسيا، وحتى في القارة الأوروبية التي لا تتفاعل مع سياسات ترامب وطروحاته بالقدر الذي يطمع في حصوله منها.

 

 

 


مشاهدات 73
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/12/27 - 1:03 AM
آخر تحديث 2025/12/27 - 6:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 223 الشهر 19881 الكلي 13003786
الوقت الآن
السبت 2025/12/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير