صراع السلطة في السليمانية أبعاد وتحولات

محمد علي الحيدري

تتجلى في السليمانية اليوم صورة معقدة لصراع على السلطة يتجاوز مجرد التنافس السياسي التقليدي، ليكشف هشاشة البنية المؤسسية في الإقليم. المدينة، التي لطالما كانت رمزًا للثقافة والتنوع، صارت ساحة لتنافسات حزبية وعائلية تتقاطع فيها المصالح الشخصية مع المطامح السياسية. هذا الصراع، المدعوم أحيانًا بالمال والسلاح، يعكس أزمة أعمق في النظام السياسي، حيث يزداد نفوذ الولاءات الحزبية على حساب القانون والمؤسسات.

ما يميز المشهد الحالي هو هيمنة منطق الانتقام والمكاسب الفورية على حساب المشروع الوطني العام. في غياب مؤسسات دستورية قوية وفاعلة، أصبحت الولاءات الحزبية والعائلية المعيار الأساسي للسلطة والنفوذ، مما يفتح الباب أمام ممارسات فساد ومحسوبية واسعة ويعزز نفوذ القوى المسلحة غير الرسمية على القرار السياسي.

توافق حقيقي

هذه البيئة، بدلاً من أن تصون استقرار الإقليم، تزيد من التوترات وتضعف قدرة السلطات على تحقيق توافق حقيقي ومستدام.

غياب دستور واضح يلقي بظلاله على أي محاولة لحل النزاعات الداخلية، إذ تصبح كل المبادرات مجرد مناورة مؤقتة لا تتجاوز الاختبار الأول أمام تحديات الواقع. هذا التشرذم المؤسسي يعكس محدودية الإرادة السياسية لدى القوى الحاكمة، ويؤدي إلى فقدان ثقة المواطنين بالنظام، ويضعف من إمكانات الإقليم على تحقيق التنمية والاستقرار.

الحلول لا تكمن في توزيع المناصب أو توقيع اتفاقيات مؤقتة، بل تتطلب بناء مؤسسات دستورية قوية، قادرة على فرض سيادة القانون، وفك هيمنة الميليشيات الحزبية، وإعادة الاعتبار للمواطن كمرجعية أساسية للعملية السياسية. بدون ذلك، ستظل السليمانية أسيرة لصراعات مستمرة، تستهلك طاقاتها وتبدد آمالها في مستقبل أفضل.

ما يحدث في المدينة اليوم ليس مجرد صراع حزبي ضيق، بل اختبار لقدرة الإقليم على إعادة ترتيب أولوياته وبناء نظام سياسي متماسك يحترم مؤسساته، ويضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار ضيق. قدرة القوى السياسية على تجاوز خلافاتها الداخلية ستحدد ما إذا كانت السليمانية ستظل منارة للثقافة والحرية، أم ستستسلم لمستنقع الصراعات المستمرة، فاقدة فرصة تحقيق الاستقرار والتقدم.