مسار الحرب في أوكرانيا
محمد علي الحيدري
لقاء البيت الأبيض يفتح باب الأسئلة حول توازن القوى بين واشنطن وأوروبا وحق كييف في سلام عادل_
في 18 أغسطس، استضاف البيت الأبيض لقاءً استثنائياً جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بحضور قادة أوروبيين بارزين. اللقاء كشف التباين العميق بين ضغوط واشنطن ومقايضاتها من جهة، وتمسك كييف بسيادتها ودعم أوروبا الحذر من جهة أخرى.
زيلينسكي بدا أكثر حذراً، مرتدياً بذلة رسمية بدل الزي العسكري الذي أثار جدلاً في السابق، لكنه شدّد بوضوح على أن أي تسوية لا تراعي العدالة وسيادة أوكرانيا لن تُفضي إلا إلى استمرار الحرب. في المقابل، أظهر ترامب ميلاً إلى صفقة مع موسكو تقوم على مقايضة القرم وتجميد ملف الناتو بترتيبات محدودة في مناطق أخرى، وهو ما اعتبره كثيرون تهديداً بتحويل الوساطة الأميركية إلى ضغوط مفروضة على الضحية.
الأوروبيون من جهتهم بدوا متماسكين أكثر من ذي قبل. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس وغيرهما شددوا على ضرورة ضمان أمن أوكرانيا، حتى عبر صيغ بديلة لا تصل إلى عضوية الناتو الكاملة. لكن معضلتهم الجوهرية بقيت قائمة: كيف يمكن حماية سيادة كييف من دون الدخول في مواجهة مع واشنطن أو التفريط بمصالحهم الاستراتيجية؟
في الوقت نفسه، كان الهجوم الروسي على خاركيف بالتزامن مع اللقاء تذكيراً بأن الحرب ليست ورقة تفاوضية بل نزيف يومي يعمّق المأساة الإنسانية، ويعزز موقف كييف الرافض لتسويات ناقصة.
في المحصلة، تبدو الحرب الأوكرانية اليوم عند مفترق حاسم: ضغوط أميركية تتجه نحو صفقة سريعة، إصرار أوكراني على سلام عادل، ومحاولة أوروبية لإيجاد معادلة توازن صعبة. والدرس الأوضح أن السلام العادل لا يُبنى على مقايضات تُفرض على الضحية، بل على توازن يضمن السيادة ويوقف نزيف الحرب، لأن أي تسوية تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه ستبقى وصفة مؤكدة لحرب مؤجلة.