الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سيدنا عُمر .. تُثير زوبعةً

بواسطة azzaman

سيدنا عُمر .. تُثير زوبعةً

رشيد الخيّون

 

عندما يُحمَّل المجتمع بالطائفيّة، وبأثر يعود إلى عشرات القرون، يصعب الالتفات لزراعة وصناعة، ناهيك عن تعليم وطبابة. يصبح السلم الأهلي على خطر، وكم من الوقائع أدخلته في الخطر نفسه، والخطر كامن تثيره عبارة أو تصريح، فكيف إذا كان الضخ بالكراهيّة جارٍ على مدار الساعة، وبالتالي مَنْ المستفيد غير الخراب نفسه، والعالم مثلما نرى غيره في الأمس القريب، تنافس في العِلم، فإلى أين تريدون الوصول بهذه الثّقافة؟

 قُدمت وقائع التّاريخ - المغرضات منها - ما قبل أربعة عشر قرناً، مضمنات في روايات لفقهاء الغلاة (كديور، القراءة المنسية)، ولتكرارها أصبحت حقائقَ، صُبت في الرُّؤوس صباً، وكم خطيبٍ مؤثر في العقول يقول: «هذا ورد في رواياتنا»، ثم يسترسل بما يراه، بلا حسيب، والفتنة «لا تبقي ولا تذر»، ولابن المعتز (قُتل 296 هـ) ما يُتمثل به: «أتانا بها صَفراء يزعم أنَّها/ لتبرٍّ (الذَّهب) فصدقناه، وهو كذوبُ» (الدِّيوان/ دار صادر).

قصة ذلك، أنّ امرأةً تعتزُ ببلادها ودينها ومذهبها ومدنيتها، تراها جحافل الإسلام السّياسيّ عدوةً، ظهرت على الشَّاشة ذاكرةً عمر بن الخطاب بـ«سيدنا عمر رضي الله عنه»، فاتَّخذت ضدها، جمعاً مع تهمة منافحتها ضد تعديل قانون الأحوال الشّخصية، الذي عاد بمجتمعها إلى القرون الخوالي، وأباح ضمناً التّجاوز على الطُّفولة والأُمومة، لأنه قرر تشريع فتاوى لها زمانها الغابر قانوناً، وهي الحقوقيَّة، ترى الفتاوى تُبيح التّجاوز اليوم، يُضاف أنها ضمن المناديات والمُنادين بـ«نريد وطناً»، فاختطفتها جماعة (مقدسة) تملك حرية التَّطاول!

انفعال طائفي

لذا، وصل الأمر في المجتمعات المشحونة بـ«هذا ورد في رواياتنا» أن أصبحت تهزها عبارةُ «سيدنا عمر رضي الله عنه»، مع أنّ ملياراً ومئات ملايين المسلمين يقولونها، وهي لا تلفت النَّظر، ولا تثير الحساسية خارج الانفعال الطائفي، ومَنْ قال لهذه الجماعة ومنظريها إنَّ المذهب كافة يفزع بفزعتهم في الترهات؟لم يكن الخلل بسيطاً، ولا الخطر هيناً، إذا كانت عبارةٌ مسالمةٌ تشعل ناراً، والسَّبب أنَّ مَنْ اعتدى على القائلة يحمل سلاحين، سلاح الدّين والمذهب، والسّلاح النَّاريّ، ميليشيات عابثة، لها معسكراتها ومحاكمها ومعتقلاتها وأجهزتها الأمنيَّة الخاصة، بما يوازي ما لدى الدولة، وبراية وخطاب هدفه، في كلِّ مواقفه لأكثر من عقدين، تدمير البلاد، والتهيئة لحرثها حسب رغبته.

إنَّها مشكلةٌ وجوديَّةٌ، عندما تتقصد إهانة رموز شريك لك بالوطن، يحرص على إجلال رموزك إلى حدِّ التَّقديس، تمثلا بالسّب والشتم الذي أظهره الصَّفويون (1501 - 1723) بإفتاء فقيهٍ لبناء إمبراطورية به، على أنه يُقابل السَّب الذي شرعه الأمويون بين (41 - 99 هـ) لشأنٍ سياسيّ أيضاً، فألغاه خليفة أموي (ابن الأثير، الكامل في التّاريخ)، هو عمر بن عبد العزيز (99 - 101 هـ) سبط عمر بن الخطاب، مثل معاصره جعفر الصّادق سبط أبي بكر الصديق، وحفيد عثمان بن عفان (قُتل 35 هـ) سبط الحُسين بن عليّ (قُتل 61 هـ). أقول: إذا كان النّزاع بالرموز خطيئة الماضين لأغراضهم، فما شأن حاضرنا؟!

أحَسبُ أنَّ التي قالت العبارة، أحضرت تجارب قد مضت، في دفاعها عن جيلها، استخدمت الماضي بطلاقته لا بانكفائه، فهي تُدرك أنَّ نصف شعبها، عرباً وكُرداً وتركماناً، يذكرون عُمرَ بسيدنا، فما الخطيئة؟ وكانت تسأل خاطفيها هذا السُّؤال. غير أنَّ الوعي الوطني لدى الكثرة المنتصرة لها، من مذهبها، مدها بالقوة.أظنها اقتبست مقالة الفقيه سُفيان الثَّوري (ت 161 هـ)، ناصحاً أهل زمانه، في عواصف سابقات: «إِذَا كُنْتَ بِالشَّامِ فاذكُرْ مناقِبَ عليٍّ، وإِذا كُنتَ بالكُوفةِ فاذكُرْ مناقِبَ أَبِي بكرٍ وعُمرَ» (الذَّهبيّ، سير أعلام النُّبلاء). نلاحظ، حرصت وخاطفوها على توظيف الماضي، لكن شتان بين توظيفها وتوظيفهم.

لا تجيد هذه الجماعات غير صناعة مجتمع خاوٍ، لا يعمل لتقدم، ولا ينعم باستقرار، ليسوا أكثريّةَ الناس بل أقليةً، قوتهم بالتنظيم والسلاح، كلُّ ما يمارسونه خراباً، بينما أمثالها يعضون على وطنهم بالنَّواجذ. إنَّ وعيها الوطنيّ يؤشر إلى آمال ليست سراباً.

  كاتب عراقي

 

 

 


مشاهدات 76
الكاتب رشيد الخيّون
أضيف 2025/08/06 - 2:51 PM
آخر تحديث 2025/08/07 - 6:21 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 171 الشهر 4610 الكلي 11399696
الوقت الآن
الخميس 2025/8/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير