الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التكنولوجيا في أيدي المتعلمين: فرصة للتعلم أم بوابة للتشتت؟

بواسطة azzaman

التكنولوجيا في أيدي المتعلمين: فرصة للتعلم أم بوابة للتشتت؟

 محمـود محمـد عـبـد الكـريـم

جامعة الموصل- كلية التربية الأساسية

 

          لقد أضحى دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية سمة مميزة للعصر الحالي، ولا سيما مع الانتشار الواسع للأجهزة الذكية والإنترنت في أيدي المتعلمين من مختلف الأعمار. ورغم الإجماع على الإمكانات الهائلة التي توفرها التكنولوجيا لتحسين جودة التعليم، إلا أن هذا الانتشار يثير تساؤلاً جوهرياً وحيوياً في الأوساط الأكاديمية والتربوية: هل تُمثل التكنولوجيا في أيدي المتعلمين فرصة سانحة لتعزيز التعلم والابتكار، أم أنها قد تتحول إلى بوابة للتشتت وتراجع التحصيل الأكاديمي؟ إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب تحليلاً معمقاً للأبعاد المتعددة لهذه العلاقة المعقدة بين التكنولوجيا والمتعلم، وتستدعي من أساتذة الجامعات والباحثين التربويين صياغة استراتيجيات فعالة لاستغلال الإيجابيات وتجاوز السلبيات.

        لا شك أن التكنولوجيا تُقدم فرصاً غير مسبوقة لإثراء التجربة التعليمية. فهي تتيح للمتعلم الوصول الفوري إلى كم هائل من المعلومات والموارد التعليمية المتنوعة، من مقاطع الفيديو التوضيحية، إلى المحاكاة التفاعلية، والمكتبات الرقمية الشاملة. هذا الوصول يعزز مبدأ التعلم الذاتي، ويمكّن المتعلم من استكشاف الموضوعات بعمق يتجاوز ما هو متاح في الكتب المدرسية التقليدية. كما أن الأدوات التكنولوجية تُسهم في تخصيص التعلم ليناسب الفروقات الفردية بين المتعلمين، من خلال منصات التعلم التكيفي التي تقدم محتوى وتحديات تتناسب مع مستوى كل طالب. فضلاً عن ذلك، تعزز التكنولوجيا مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعاون، والاتصال، من خلال المشاريع المشتركة عبر الإنترنت، وأدوات العروض التقديمية، ومنصات النقاش الافتراضية. إنها توفر بيئة محفزة للابتكار والإبداع، وتشجع الطلاب على إنتاج المحتوى بدلاً من مجرد استهلاكه.

       على الجانب الآخر، لا يمكن إنكار أن الاستخدام غير الموجه أو المفرط للتكنولوجيا قد يُشكل تحدياً كبيراً ويفتح "بوابة للتشتت". ففي عالم مليء بالمشتتات الرقمية، من وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الألعاب الإلكترونية، والإشعارات المتكررة، يجد المتعلم نفسه في مواجهة إغراءات مستمرة تُبعده عن التركيز على المهام التعليمية. هذا التشتت يؤثر سلباً على مدى الانتباه، ويقلل من عمق المعالجة المعرفية، مما يؤدي إلى تراجع في التحصيل الأكاديمي. كما أن الاعتماد المفرط على البحث السريع عن المعلومات عبر الإنترنت قد يقلل من قدرة الطلاب على التحليل العميق والتفكير النقدي، حيث يميلون إلى استهلاك المعلومات دون تمحيص أو تقييم لمصداقيتها. يضاف إلى ذلك، أن قضاء وقت طويل أمام الشاشات قد يؤثر على الصحة البدنية والنفسية للمتعلمين، ويقلل من تفاعلهم الاجتماعي الحقيقي.

        لمواجهة هذه التحديات وتحويل التكنولوجيا من مصدر للتشتت إلى أداة قوية للتعلم، لا بد من مقاربة متوازنة ومدروسة وعلى النحو الاتي:

أولاً: يجب على المؤسسات التعليمية تطوير استراتيجيات واضحة ومناهج متكاملة لدمج التكنولوجيا بفعالية في الفصول الدراسية، مع التركيز على الأهداف التعليمية وليس مجرد استخدام الأدوات لأجل استخدامها.

ثانياً: يجب تدريب المعلمين على كيفية توظيف التكنولوجيا كأداة للتعلم النشط، وكيفية إدارة التشتت الرقمي، وتقديم الإرشادات للطلاب حول الاستخدام المسؤول والفعال للتكنولوجيا.

ثالثاً: ينبغي تنمية "الوعي الرقمي" لدى المتعلمين، وتعليمهم مهارات التقييم النقدي للمعلومات، وإدارة وقتهم أمام الشاشات، وفهم الآثار المترتبة على الاستخدام غير المسؤول.

رابعاً: تلعب الأسرة دوراً حاسماً في مراقبة الاستخدام الرقمي للأبناء، وتوفير بيئة منزلية داعمة للتعلم والتركيز.

         في الختام إن التكنولوجيا في أيدي المتعلمين ليست مجرد أداة محايدة، بل هي قوة مزدوجة الأثر. إن إمكاناتها كـ "فرصة للتعلم" لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التخطيط الاستراتيجي، والتدريب الفعال للمعلمين، وتنمية الوعي الرقمي لدى الطلاب، والشراكة الفعالة بين المدرسة والأسرة. وعلى الجامعات ومراكز البحث العلمي دور محوري في قيادة هذا التحول من خلال الأبحاث التطبيقية، وتطوير الممارسات الفضلى، وإعداد الأجيال القادمة من المعلمين القادرين على توجيه هذه القوة التكنولوجية نحو بناء مستقبل تعليمي أكثر فاعلية وابتكاراً.


مشاهدات 75
الكاتب  محمـود محمـد عـبـد الكـريـم
أضيف 2025/07/30 - 2:09 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 5:57 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 542 الشهر 21360 الكلي 11274971
الوقت الآن
الخميس 2025/7/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير