الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مفهوم الدبلوماسية الثقافية والإقتصادية بين الماضي والحاضر

بواسطة azzaman

مفهوم الدبلوماسية الثقافية والإقتصادية بين الماضي والحاضر

فؤاد الصباغ 

 

يمكن تعريف الدبلوماسية في البداية بأنها "علم وممارسة العلاقات السياسية بين الدول"، وخاصة تمثيل مصالح الدولة في الخارج وهي تعتبر ممارسة قديمة تزامن ظهورها مع ظهور الدول. فالدبلوماسية هي فرع من العلوم السياسية المعني بالعلاقات الدولية. كما يمكن تعريفها بالإجراءات التي تتخذها الدولة لتمثيلها لدى الدول الأجنبية وفي المفاوضات الثنائية أو متعددة الأطراف.

فمنذ العصور القديمة شكلت الدبلوماسية التقليدية مفهوم متعدد الأوجه والذي يشير لمصطلح التفاوض والتسوية وتجنب الصراعات وإبرام الإتفاقيات وحماية المصالح المشتركة وإرساء الأمن والسلام. لكن اليوم أصبح الأمر مختلف تماماً بالنسبة للدبلوماسية الحديثة، التي يمكن أن تكون وسيلة للتعاون المشترك وأداة فعالة للتأثير أو الإكراه.

من الدبلوماسية التقليدية إلى الدبلوماسية الحديثة

 منذ العصور القديمة وُجدت أشكال متنوعة من الدبلوماسية ولعل أبرزها دبلوماسية السلم والحرب لكنها غير دائمة وغير منظمة. وفي وقت لاحق، حوالي مطلع القرن الخامس عشر نشأت دبلوماسية دائمة ومنظمة، لا سيما مع جمهورية البندقية. فقد شكلت معاهدات وستفاليا لعام ١٦٤٨، بعد حرب الثلاثين عامًا، اعترافًا رسميا على مدى القرون التالية، بالدول ككيانات ذات سيادة وفاعلين رئيسيين في الدبلوماسية.

فخلال فترة طويلة من الزمن، تولى الملك أو الحاكم المهمة الدبلوماسية نظرًا للطبيعة الشخصية للأنظمة السياسية القائمة آنذاك ولم يكن بإمكان الدبلوماسيين التصرف بمفردهم. أما في القرنين السابع عشر والثامن عشر، شكّلت القضايا الإقليمية، من جهة، بالإضافة إلى المسائل الثنائية والعلاقات بين الدول المتعلقة بحقوق الميراث في أوروبا الملكية أبرز العناصر الرئيسية للدبلوماسية. إذ ظلت تلك الممارسات الدبلوماسية سرية إلى حد كبير ضمن نطاقات أميرية ضيقة.

وبدءًا من القرن التاسع عشر، تأسس نظام دبلوماسي عام حقيقي، وكان مؤتمر فيينا عام ١٨١٥، الذي أسس "ائتلاف الدول الأوروبية"، مسؤولاً عن توزيع الأراضي المستعادة من نابليون بونابرت، وكانت الحرب والسلام آنذاك الشغل الشاغل للدبلوماسية والتي كانت تشهد عصرها الذهبي حتى بداية الحرب العالمية الأولى.

بين عامي ١٩١٣ و١٩٢١، دفع وودرو ويلسون، رئيس الولايات المتحدة نحو إنشاء رابطة عامة للأمم لضمان استقلال الدول وسلامة أراضيها خلال معاهدة فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى. بالتالي أنذرت العقوبات الاقتصادية المفروضة على ألمانيا بظهور القضايا الاقتصادية في الممارسة الدبلوماسية. ففي عام ١٩٤٥، نص ميثاق الأمم المتحدة على أن "يُسوّي الأعضاء منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على نحو لا يُعرّض السلام والأمن الدوليين، وكذلك العدالة، للخطر" وأصبحت خلال تلك الفترة الدبلوماسية منتشرة على مستوى عالمي.

أما خلال العقود الأخيرة فقد شهدت الممارسة الدبلوماسية تحولاً كبيراً حيث تحولت أهدافها نحو الاقتصاد والتجارة ومصالح القطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك أصبحت القضايا الاقتصادية محورية، لدرجة أن مصطلح الدبلوماسية الاقتصادية أصبح يُستخدم بكثرة في الصحافة ولدى المؤسسات السياسية والممثلين السياسيين، بينما كانت ممارسة الدبلوماسية لفترة طويلة حكراً على الدول وظهرت أيضا جهات فاعلة دولية جديدة، مثل الاتحاد الأوروبي والصين الشعبية. كذلك أصبحت المهام الدبلوماسية منظمة وفقا لإتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، فبموجب المادة ٣ من اتفاقية فيينا لعام ١٩٦١، تتمثل المهام الاعتيادية للدبلوماسية فيما يلي:

• تمثيل الدولة المُرسِلة بالدولة المستقبلة،

• حماية مصالح تلك الدولة ورعاياها بالدولة المستقبلة، على أساس وضمن حدود أحكام القانون الدولي ذات الصلة،

• التفاوض مع الدولة المُستقبِلة،

• تقديم المعلومات بجميع الوسائل المشروعة حول الأوضاع والتطورات في الدولة المُستقبِلة، وإرسال تقارير بهذا الشأن إلى الدولة المُرسِلة.

تُشكل هذه المهام جزءًا من إطار أوسع يشمل تطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية والودية مع الدولة المُستقبِلة.

كما شملت إتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة ١٩٦٣ في المادة ٥ بعض المهام التي تهتم بالشأن الثقافي والإقتصادي ولعل أبرزها:

• التحقق من الأوضاع والتطورات في الدولة المستقبلة، بجميع الوسائل المشروعة، وتقديم تقارير عنها إلى حكومة الدولة المرسلة.

• تعزيز تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المُرسِلة والدولة المُستقبِلة، وتعزيز العلاقات الودية بينهما في إطار أحكام هذه الاتفاقية.

• الحصول على المعلومات، بجميع الوسائل المشروعة، عن ظروف وتطورات الحياة التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية في الدولة المُستقبِلة، وتقديم تقارير عنها إلى حكومة الدولة المُرسِلة، وتوفير المعلومات للأشخاص المعنيين.

تعريف مفهوم الإقتصاد

علم الاقتصاد هو علم يخضع لنظام السوق يعني للعرض والطلب وعلى إنتاج وتبادل وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات. كذلك يتشابك هذا العلم باستمرار مع العديد من العلوم الاجتماعية الأخرى، ويتأثر بشدة بعوامل يصعب رصدها أو قياسها أو تحديد كميتها، مما تتسبب في إحداث أزمات مالية متتالية. لذلك، يجب تناوله من منظور أوسع بكثير، يتجاوز مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي، ويأخذ في الاعتبار عوامل مثل علم النفس والتاريخ والثقافة. يعني هذا أيضًا أن التجارة بين بلدين، في العلاقات الدولية، لا تمثل مجرد علاقة تجارية، بل تتجاوزها لتشمل تعزيز التقارب السياسي بين الدولتين أو تكتل مجموعة دول، وذلك من خلال إنشاء منطقة تبادل تجاري حرة تجمعها مصالح مشتركة.

فعلى نطاق أوسع، نجد الآلية نفسها التي إنتهجها الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، مثل روبرت شومان. إذ كان الطموح يتمثل في خلق "تضامن وتعاون مشترك بين دول الإتحاد"، وذلك من خلال ربط الاقتصادات ببعضها، لا سيما من خلال الجماعة الأوروبية للفحم والصلب التي أُنشئت عام ١٩٥٤. إذ كان من المفترض أن تؤدي هذه المبادرة إلى ظهور اتحاد سياسي قوي وتعزيز تواجد الحلف الأوروبي المشترك على الساحة الدولية. إن السياسة والإقتصاد لا يمكن فصلهما عن بعض، مادامت توجد بينها مصالح مشتركة وأدوات تفاوض أو ضغط. فبالنتيجة، الاقتصاد ليس مجرد مسألة سلع وخدمات، بل يتجاوزها لمسائل أوسع نطاقًا بالنسبة للدول، وتؤثر تأثيرًا عميقًا على سياستها الخارجية.

تعريف مفهوم الثقافة

الثقافة هي فن وعلم وحضارة الدول وعاداتها وتقاليدها بالدرجة بالأولى. أما بالمعنى الأوسع، يُمكن اعتبار الثقافة هي تلك المجموعة من السمات المميزة منها الروحية، المادية، الفكرية، العاطفية، التي تُميز مجتمعًا أو فئة اجتماعية عن أخرى. بالإضافة إلى ذلك تشمل الفنون، الآداب، العلوم، أساليب الحياة، حقوق الإنسان الأساسية، وأنظمة القيم داخل المجتمع. كما أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) وضعت تعريفا معمقا للثقافة من خلال إعلان المكسيك بشأن السياسات الثقافية خلال المؤتمر العالمي للسياسات الثقافية، مدينة مكسيكو، ۲۷ يوليو/تموز - ٧ أغسطس/آب ١٩٨٢).

كما شهد عام ٢٠١١ الذكرى السنوية العاشرة لإعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي، الذي مثّل نقطة تحول في نهج المجتمع الدولي تجاه الثقافة، دحضًا لنظرية صراع الحضارات، واقتراح التنوع الثقافي كقوة إيجابية (اليونسكو، ٢٠١١)، في عصر الثورة الرقمية والقوة الناعمة، كما رسّخت مكانة الثقافة، لا سيما منذ سبتمبر ٢٠٠١، كعامل مؤثر على الساحة العالمية.

فالثقافة داخل المؤسسات الدولية شكلت طيلة العقود الفارطة أداة لتحقيق السلام والاستقرار العالمي. أما مفهوم "التنوع الثقافي" فقد تم الاعتراف به كشرعية دولية وذلك باعتماد اتفاقية اليونسكو عام ٢٠٠٥. أما اليوم تعتبر الثقافة كرافعة استراتيجية تُمكّن الدول من ترسيخ نفوذها السياسي وفرض حضورها الاقتصادي على الساحة الدولية. فلطالما استخدمت بعض الدول الثقافة كوسيلة للترويج السياحي والترفيهي، أو في المجالات العلمية والتقنية كأساس لدعم نفوذها الاقتصادي. كما تدرك العديد من الدول اليوم على أهمية مساهمة السياسات الثقافية في هوية مجتمعاتها وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا ومساهمتها أيضا في الترويج لصورتها بالخارج وفي تأثيرها الدولي. فالترويج الثقافي الذي برز بشكل متصاعد في السنوات الأخيرة كعنصر أساسي في النظام العالمي الجديد، تتطور بسرعة مع الثورة الرقمية الراهنة بحيث يجب أن تستجيب تلك الوسائل الترويجية للاحتياجات والتحديات المتجددة تحت ضغط عولمة.

 

الدبلوماسية الإقتصادية

الدبلوماسية الإقتصادية تجمع بين مصطلح الدبلوماسية ومهامها التقليدية ومصطلح الإقتصاد ضمن إطار المبادلات التجارية والمعاملات المالية والمصالح الإقتصادية للدول بالداخل والخارج. إذ لفهم هذه النوعية الحديثة من الدبلوماسية سنطرح هذه الأسئلة التالية حتى نتمكن من فهم التكامل بين المصطلحين ونقاط الإختلاف بينهما.

ما هي الدبلوماسية الاقتصادية؟ وهل تقتصر على الدول فقط؟

تتجه المهام الدبلوماسية خلال العقود الأخيرة بشكل متزايد نحو الاقتصاد ويبقى تعريف مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية منحصرا بين إستخدام الثروات الوطنية كسلاح لخدمة مصالح الدول بالخارج وإستقطاب الفرص من خلال دعم القطاع الخاص والتنسيق مع رجال المال والأعمال أو توظيف جميع الإمكانيات لمجابهة المتغيرات الدولية على غرار الأزمات في الأسواق العالمية أو العقوبات التي ممكن أن تسلط على بعض الدول مثل الحالة الأوكرانية. بالتالي يمكن تقديم تعريفين للدبلوماسية الإقتصادية، الأول يتمثل في أن الدبلوماسية تشمل القضايا الاقتصادية والتجارية منها تنظيم عمل الوفود في المؤتمرات كتلك التي تُنظمها المنظمات والبعثات الدبلوماسية. أيضًا رصد نشاط السياسات الاقتصادية في دول العالم الثالث والسائرة في طريق النمو وتقديم الفرص المتاحة بشأن أفضل السبل للتأثير عليها قصد كسب تلك الأسواق للترويج لها المنتجات بأسعار تفاضلية. أما المعنى الثاني للدبلوماسية الاقتصادية فيشير إلى مفهوم الدبلوماسية التي تستخدم الموارد الاقتصادية سواءً المكافآت والهبات أو العقوبات ووقف الدعم وذلك من أجل تحقيق أهداف محددة في السياسة الخارجية.

إن الدبلوماسية الاقتصادية تعد اليوم أولوية سياسية لدعم صادرات الشركات إلى الأسواق الخارجية، وجذب أقصى قدر ممكن من الاستثمار الأجنبي المباشر عبر الترويج للمنتجات المحلية بالخارج بالتنسيق مع البعثات الدبلوماسية للدول. فمن هذا المنظور، تتمثل وظيفة الدبلوماسية الاقتصادية في جعل الأسواق الخارجية "متقبلة" للمنتجات التي تقدمها الشركات، والحد من نفوذ المنافسين الآخرين، وذلك بربط قنوات إتصال مع الجهات المعنية منها غرف الصادرات والهياكل المختصة بالصناعة وتنظيم المعارض الدولية بالخارج. بالتالي لم تعد استراتيجيات الدول قائمة على التوسع الإقليمي، بل  خلق فرص جديدة وعلى غزو أسواق جديدة لأعمالها. ففي هذا السياق، تتجه الدبلوماسية الإقتصادية بشكل متزايد نحو تحقيق المهام الثلاثية التالية:

(١) دعم المصدرين وتحفيز الصادرات للمنتجات المحلية بالخارج.

(٢) دعم القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

(٣) ضمان الإستقرار المالي والتأثير على القواعد الدولية بما يخدم المصالح المحلية.

فوفقا لهذه التوجهات تتلخص الدبلوماسية الاقتصادية لدى الدول في مدى قوة استراتيجية التأثير، والتي قد تشمل التعاون المشترك، ولكن أيضًا في المقابل تشمل المواجهة.

فمن جانب الرؤية التقليدية: تظل الدول الأطراف الرئيسية في النظام الدولي، حتى وإن أصبح الاقتصاد مجالاً رئيسياً لدبلوماسيتها بحيث تهدف الدبلوماسية الاقتصادية إلى التفاوض بشأن النظام الاقتصادي الدولي، الذي غالباً ما يتسم بتضارب المصالح بين الدول (مثل الحروب التجارية). بالتالي تركز الدبلوماسية التقليدية على العلاقات السياسية بين الدول.

أما من جانب الرؤية الحديثة: يشمل هذا النهج الجهات الفاعلة في الإقتصاد العالمي مثل الشركات متعددة الجنسيات. فالدبلوماسية الحديثة تُركز بالأساس على القضايا الاقتصادية والتجارية وعلى العلاقات القائمة بين الدول والشركات. كما تفقد الدول احتكارها للتنظيم الاقتصادي، في مواجهة صعود الأسواق المعولمة والمناطق "غير الخاضعة للحوكمة" مثل التمويل الدولي غير الشفاف، السوق السوداء وتبييض الأموال، وتجريم الاقتصاد. فخلال العقود الأخيرة لم تعد الدبلوماسية الاقتصادية تقتصر على العلاقات بين الدول، بل أصبحت تشمل الآن التفاعلات بين الدول والشركات المحلية، بالإضافة إلى استراتيجيات الشركات متعددة الجنسيات وعلاقاتها بالدول المتواجدة على أراضيها.

كيف تختلف الدبلوماسية التجارية عن الدبلوماسية الاقتصادية؟

تُعدّ الدبلوماسية التجارية جزءًا لا يتجزأ من الدبلوماسية الاقتصادية التي تُركز تحديدًا على العلاقات التجارية بين الدول. كما تهدف هذه الدبلوماسية إلى تحفيز التجارة الداخلية للدولة في التجارة الدولية، والبحث عن أسواق جديدة، والتفاوض بشأن النزاعات من خلال البحث عن اتفاقيات تجارية ثنائية ومتعددة الأطراف لحل جميع المشاكل بينهما. لذلك، تُعدّ الدبلوماسية التجارية جانبًا مُكمّلًا للدبلوماسية الاقتصادية. إذ تشمل هذه الرؤية الإجراءات التي تتخذها الدولة لتعزيز مصالحها الاقتصادية في الخارج، لا سيما من خلال اتفاقيات التجارة وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر ودعم الشراكات متعددة الجنسيات المختصة في إنتاج منتجات قابلة للتصدير. فالدبلوماسية التجارية تستهدف بالأساس دعم الصادرات للمنتجات من خلال التسويق والترويج حتى يحقق الميزان التجاري فائضا بين دولتين أو أكثر. أما الدبلوماسية الإقتصادية فهي تتجاوزها لتشمل جل الأنشطة الموجهة للحفاظ على المصالح الإقتصادية الوطنية من خلال إستعمال لأدوات تأثير مختلفة.

 ما هي دبلوماسية الشركات؟

تتمثل دبلوماسية الشركات في تطوير القدرات السياسية والعلائقية والاجتماعية للشركة خاصة منها الشركات العالمية، بما يُمكّنها من التفاعل الإيجابي وبناء علاقات مع جميع أصحاب المصلحة في الدول أو المناطق التي تعمل فيها خارج نطاق المقر الرئيسي للشركة الأم. وبالتالي، تُعدّ دبلوماسية الشركات أداة تأثير استراتيجي في عالم اليوم خاصة منها ربط قنوات تواصل مستمرة مع البعثات الدبلوماسية بالخارج التي ترعى مصالح تلك الشركات وتدافع عن حقوقها في الدول المستضيفة. إذ تُعرّف دبلوماسية الشركات اليوم كجزء لا يتجزأ من الدبلوماسية الإقتصادية وبأنها مُكمّلا لها. ومع ذلك، بالنسبة لأي شركة، بغض النظر عن حجمها، فإن الأمر يتعلق بالقدرة على حماية نفسها والنمو في سياق المنافسة المتزايدة خاصة في المناطق المعقدة من العالم.

ماهي العلاقة بين الدبلوماسية الاقتصادية ودبلوماسية التأثير؟

إذا كانت الدبلوماسية الاقتصادية ذات أهمية كبرى خاصة هذه الأيام، فذلك يعود أيضًا إلى أن النزاعات أصبحت تُحل أكثر من أي وقت مضى بطرق متطورة وذلك من خلال الحروب التجارية الحديثة. كما تُعدّ الرسوم الجمركية والحظر والعقوبات المالية من أهم الأسلحة المستخدمة كأدوات ضغط لتحقيق أهداف معينة. إذ تحولت ساحات المعارك من عسكرية تقليدية إلى اقتصادية حديثة. فالحرب الاقتصادية تبدو اليوم أسلوبًا أكثر أهمية من أي وقت مضى للمواجهة، مصممة لإضعاف الخصم دون المخاطرة بالإبادة البشرية الكاملة في المقابل يكون الاقتصاد في صميم توازن القوى. فتلك الدبلوماسية تتمثل في دبلوماسية التأثير بحيث تكون لها نتائج إيجابية من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية. فالعلاقة بين الدبلوماسية الإقتصادية في مفهومها الكلي ودبلوماسية التأثير في مفهومها الجزئي تعد متلازمة ومترابطة في الغايات والوسائل. فإلى جانب العقوبات والحروب التجارية، يتمثل دورها في مساعدة الشركات على غزو الأسواق العالمية، وتنسيق استراتيجيات الجهات الاقتصادية الفاعلة في الخارج، وتعزيز الجاذبية الوطنية لجذب الاستثمار الأجنبي. كما تُعد دبلوماسية التأثير مكملا للدبلوماسية الإقتصادية فهي تعتبر ركيزة من ركائز العلاقات الدولية الحديثة، وأيضا أداة للتعاون ورافعة للقوة في آن واحد. فهي تُشكّل التحالفات، وتُؤثّر في السياسات الخارجية، وتُتيح للدول ممارسة الضغط دون اللجوء إلى القوة العسكرية.

الدبلوماسية الثقافية

الدبلوماسية الثقافية تجمع بين مصطلحين "الدبلوماسية والثقافة"، ولتعريف مفهوم الدبلوماسية الثقافية نطرح مجموعة من الأسئلة وذلك لفهم ماذا تعني هذه النوعية من الدبلوماسية، مدى تأثيراتها، مصدرها وأهدافها.

ماهي الدبلوماسية الثقافية؟ وهل تقتصر ممارستها على الدول فقط؟

الدبلوماسية الثقافية تعني تبادل الأفكار والمعلومات والفنون وغيرها من جوانب الثقافة بين الأمم وشعوبها من أجل تعزيز التفاهم المتبادل والذي يمكن أن يكون أيضًا طريقًا في اتجاه واحد أكثر من كونه تبادلًا في اتجاهين، كما هو الحال عندما تركز إحدى الدول جهودها على تعزيز اللغة الوطنية، وشرح سياساتها ووجهة نظرها، أو "سرد قصتها" لبقية دول العالم. فالدبلوماسية الثقافية تعرف على أنها أداة سياسية تستخدم الثقافة منها الفنون، واللغة، والتعليم، والأفكار قصد بناء الروابط بين الأمم وذلك على عكس الدبلوماسية التقليدية. أيضا تعمل هذه الدبلوماسية على المدى الطويل وتستهدف جمهورًا واسعًا من الفنانين، الأكاديميين، الأساتذة والباحثين ومختلف مكونات المجتمع المدني، إلخ وتشمل أهدافها فما يلي:

- تعزيز أهمية اللغة و القيم والهوية الوطنية أو السرد الوطني قصد الترويج لها للشعوب الأخرى،

- تحفيز الحوار بين الثقافات وذلك من خلال المساهمة في حل النزاعات وتعزيز التعاون الدولي،

- تقوية التأثير الاقتصادي عبر دعم الصناعات الثقافية وزيادة الجذب السياحي،

-  تعزيز دور القوة الناعمة في التأثير من خلال الإغراء الثقافي بواسطة (الفنون، التعليم واللغة).

تجمع الدبلوماسية الثقافية بين الحوار والتأثير، وتساهم في ربط جسور تواصل بين الهويات والقضايا الاقتصادية والسياسية في ظل العولمة الراهنة في شتى المجالات. بالنتيجة تشير الدبلوماسية الثقافية إلى الاستخدام المتعمد للثقافة منها اللغة، الفنون، التعليم والإعلام وذلك لتعزيز مصالح الدولة وقيمها في الخارج. كذلك تهدف إلى تعزيز جاذبية الدولة ونفوذها، مكملةً في كثير من الأحيان قوتها المادية.

فاليوم لم تعد الدبلوماسية الثقافية حكرًا على الدول فقط، بل أصبحت تشمل أيضًا جهات فاعلة غير حكومية كالجمعيات والجامعات والشركات والمجتمع المدني.  كما أضحت تُعنى في المقام الأول بتطوير استراتيجيات وبرامج تُوظّف الصورة الحقيقية والمكانة الوطنية للبلد المُمَثَّل بالخارج، ونشر لغته ونموذجه الثقافي. كما تقود هذه الأهداف رغبةٌ مُتعمَّدة في التأثير على الرأي العام الأجنبي، والتأثير عليه إيجابًا، وبشكلٍ مستدام إن أمكن من خلال وسائل الإعلام، وشبكات الفاعلين الثقافيين، وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي والمنصات الرقمية. كما أصبحت الدبلوماسية الثقافية تشكل رافعة استراتيجية لتحقيق الأهداف المنشودة، خاصة في أعقاب أحداث ١١ سبتمبر/أيلول ٢٠٠١، وما مثلته من نقطة تحول حاسمة في العلاقات الدولية، لاسيما في السياسة الخارجية الأمريكية والمبادرات التشريعية وغيرها التي اتخذتها في إطار "الحرب على الإرهاب". علاوة على ذلك، أصدرت اليونسكو سنة ٢٠١١ إعلانًا عالميًا بشأن التنوع الثقافي، قدّمته "كـقوة إيجابية في وجه دعاة صراع الحضارات". كما ركّزت منظمة اليونسكو بشكل خاص على موضوع "تداعيات العولمة على الثقافة" في أغلب مؤتمراتها خاصة بعد إعلانها العالمي للتنوع الثقافي لسنة ٢٠٠٥.

ماذا تعني القوة الناعمة، القوة الصلبة والقوة الذكية؟ وماهي علاقتها بالدبلوماسية الثقافية؟

في أوائل التسعينيات انتشر مفهوم "القوة الناعمة"، الذي صاغه الأمريكي جوزيف ناي (١٩٩٠)، والذي يُفهم في العلاقات الدولية على أنّه "قدرة العمل السياسي على التأثير على سلوك طرف فاعل آخر أو على تحديد المصالح بوسائل غير قسرية هيكلية أو ثقافية أو أيديولوجية". ففي سياق العلاقات الدولية، واستنادًا إلى أعمال جوزيف ناي، يستخدم الاستراتيجيون الأمريكيون اليوم مصطلح القوة الصلبة للإشارة إلى أفعال الإجبار والقوة، على عكس القوة الناعمة، التي تشمل مساعدات التنمية والعمل الإنساني والاتفاقيات التجارية. إذ تشير القوة الصلبة إلى قدرة الدولة المُثبتة على تحقيق أهداف محددة من خلال استخدام القوة العسكرية والنفوذ الاقتصادي. وبالتالي، للحفاظ على تفوقها، اضطرت الدول إلى الدفاع عن مصالحها الاقتصادية ومساعدة الشركات المحلية في استراتيجياتها لغزو الأسواق والابتكار بوسائل غير الحرب. يبدو أن الفرق الرئيسي بين المفهومين، القوة الصلبة والقوة الناعمة يكمن في استخدام التدخل المسؤول الذي تتميز به القوة الناعمة، بدلًا من فرض القوة الصلبة بالقوة. إذ تعتمد القوة الصلبة على الإقناع بالقوة، مع تجنب النشر المكثف للقوة العسكرية قدر الإمكان، أما القوة الناعمة فتدعو إلى نهج دبلوماسي لحل النزاعات بالطرق السلمية. وهكذا، أصبح التفكير في السياسة الخارجية كتوازن بين القوة الناعمة والقوة الصلبة أي بين الجاذبية والإكراه في النقاش السياسي الدولي.  كما سيشكل الجمع الذكي بينهما أساس تطوير القوة الذكية.

أصبحت القوة الذكية مؤخرا أساسيةً لتحديد تبني سياسات ذكية تجمع بتناغم بين عناصر القوة الصلبة وأفعال القوة الناعمة المحددة، لتحقيق فعالية وكفاءة أكبر. وبهذا المعنى، تُكيّف كل دولة نهجها مع الوسائل المتاحة لها. كما وجّهت في هذا السياق بعض الدول التي تفتقر إلى قوة عسكرية كبيرة سياستها الدولية نحو السعي وراء النفوذ والجاذبية. بينما عوّضت دول أخرى مواردها بتجمعات متنوعة تُضاعف قوتها. بالإضافة إلى ذلك ساهمت التقنيات التكنولوجية والرقمية في التأثير على بقية الشعوب من خلال الترويج لصورة البلد بالخارج وخلق قوة فاعلة عبر تلك الوسائل الحديثة.

ماهي العلاقة بين الدبلوماسية الثقافية ودبلوماسية التأثير؟

تشير دبلوماسية التأثير إلى الجهود التي تبذلها بعض الدول لتأكيد حضورها على الساحة الدولية، وتتمثل وظيفتها في تعزيز المصلحة الوطنية من خلال فهم نوعية الجمهور الأجنبي المستهدف وطبيعة إعلامه وكيفية التأثير عليه. بالتالي، فهي تتضمن الترويج لصورة إيجابية عن الدولة، وتصدير ثقافتها أو رؤيتها لبقية دول العالم. كما تختلف الأولويات وأدوات التأثير من دولة لأخرى، فبعضها يُركز على المبادرة العامة، بينما يعتمد البعض الآخر على مبادرات خاصة مربحة، مثل صناعة السينما نذكر نموذج التجربة (الهندية والمصرية). فهذا الوضع الجديد يتطلب ألا تكون دبلوماسية التأثير مجرد لعبة هامشية، شحيحة في طموحاتها ومواردها. بل على العكس، يتطلب بناءها على مبادئ جديدة. إذ تتطلب دبلوماسية التأثير مشاركة الأمة بأكملها، من ناحيتين:

 أولاً، جميع الجهات الفاعلة الدولية، والتي يجب أن تكون أكثر عددًا وأفضل تنظيمًا؛

 ثانيًا، في الجهود المبذولة لتحقيق التنافسية العالمية التي تضع الدول في التسلسل الهرمي العالمي، وعلى الصعيد المحلي أيضًا بحيث يجب بذل جهود كبيرة من قبل السلطات المحلية والجهات الفاعلة الاقتصادية والخدمات العامة.

فالدبلوماسية المؤثرة لا تعتمد على إنشاء شبكة معلومات فعّالة فحسب، بل تعتمد أيضًا على القدرة على معالجة تلك المعلومات، ونشرها على جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، وتحويلها بشكل تفاعلي واستباقي إلى قرارات.

إن الدبلوماسية الثقافية لها علاقة مباشرة مع دبلوماسية التأثير نظرا للترابط الوثيق بينهما من أجل تحقيق هدف مشترك بحيث يُحدد التأثير بمرونة أكبر قدرة الجهة الفاعلة على تأكيد آرائها أو إحداث التغيير من خلال أدوات بديلة على غرار التأثير الإعلامي عبر الترويج الثقافي لصورة البلد بالخارج. بالتالي، يتمثل التأثير في تقديم جميع الحجج الممكنة لإثبات الطبيعة الإيجابية والمناسبة لمبدأ أو هدف ما.

ماهي العلاقة بين الدبلوماسية الثقافية والدبلوماسية العامة؟

- الدبلوماسية الثقافية: تُركز على تعزيز التبادل الثقافي مثل اللغة، الفنون والتعليم من أجل تعزيز الروابط بين الدول. كما تعتمد في هذا السياق على الجهات الفاعلة الحكومية وشبه الحكومية وغير الحكومية.

- الدبلوماسية العامة: تُركز على التأثير على الرأي العام الأجنبي من خلال التواصل السياسي، غالبًا في سياقات متوترة وتستخدم أدوات الإعلام واستطلاعات الرأي.

يتداخل المفهومان في نشر التمثيلات الثقافية، لكنهما يختلفان في أهدافهما من خلال إنشاء الشبكات الثقافية مقابل الإقناع الأيديولوجي. فالدبلوماسية العامة تعتبر وسيلة اتصال تستخدمها الجهات الفاعلة الدولية، بهدف بناء العلاقات والتأثير على صورة بلد ما في الخارج، وهي تُركز أيضا على تعزيز العلاقات من خلال السعي لتحقيق مصالحها الخاصة وتنفيذها خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١. في المقابل تعتمد الدبلوماسية الثقافية على وسائل وأدوات وأيضا على مخططات ودراسات إستشرافية قصد التأثير على الدول الأخرى من خلال الترويج للمنتوج الثقافي ونشر صورة البلد بالخارج.

 

 

 

 

 


مشاهدات 136
الكاتب فؤاد الصباغ 
أضيف 2025/07/30 - 3:03 AM
آخر تحديث 2025/07/30 - 9:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 744 الشهر 20741 الكلي 11174353
الوقت الآن
الأربعاء 2025/7/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير