الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق بين الأنساق المتعددة والتحديات الإقليمية: إلى أين؟

بواسطة azzaman

العراق بين الأنساق المتعددة والتحديات الإقليمية: إلى أين؟

رعد عبد الحسين المياح

 

يجد العراق نفسه اليوم أمام مفترق طرق تاريخي، حيث تتقاطع أزماته الداخلية المتوارثة مع متغيرات إقليمية ودولية شديدة التعقيد. فعلى الرغم من موقعه الجغرافي المحوري، وثرواته الطبيعية الهائلة، وفي مقدمتها احياطي النفط، ظل دوره الجيوسياسي متواضعًا، بفعل عوامل داخلية معرقلة وأخرى خارجية ضاغطة، عطّلت قدرته على تحويل الجغرافيا إلى قوة فاعلة في محيطه.

يقع العراق في قلب الجغرافيا السياسية للمنطقة، ويتوسط أهم تقاطعات الصراع والنفوذ في الشرق الأوسط، ويجاور قوى إقليمية متنافسة ومتصارعة. اذ تكمن خصوصية موقعه في كونه ممراً طبيعياً للطاقة والتجارة، وجسراً برياً بين الخليج وبلاد الشام، وبين تركيا والجزيرة العربية. لذا، فإن من يسيطر على العراق أو يتحالف معه يمتلك قدرة التأثير في معادلة الإقليم برمته. من هنا، يُفهم سر التنافس عليه، والتدخل في شؤونه، ومحاولات زجه في محاور إقليمية متضادة.

لكن بدل أن تكون الجغرافيا منطلقًا لبناء دولة قوية، تحوّل العراق إلى ساحة مفتوحة لتضارب المشاريع وتنازع المحاور، في ظل ما تواجه الدولة المركزية من تحديات أهمها استمرار نظام المحاصصة الطائفية الذي أنتج مؤسسات هشة وقرارًا سياديًا مرتبكًا. هذا الواقع مكّن القوى الإقليمية والدولية من التمدد في الساحة العراقية، محولة إياه من لاعب محتمل إلى ميدان لتصفية الحسابات.

في السياق ذاته، تحوّلت الأنساق القومية والطائفية والعشائرية من عناصر ثراء وتنوع حضاري إلى أدوات سياسية ضيقة، أُقحمت في صراعات الهوية والسلطة، ما أسهم في تفتيت النسيج الوطني وتعميق الانقسام المجتمعي. وبدلًا من استثمار هذا التنوع في مشروع وطني جامع، جرى توظيفه داخليًا وخارجيًا لإضعاف الدولة وتقويض وحدتها.

إقليميًا، لا يمكن فصل ما يجري في العراق عن التصعيد المتواصل في محيطه، من الهجمة الصهيونية في فلسطين ولبنان، إلى الضغوط الأميركية على محور المقاومة في سوريا واليمن وإيران. والعراق، بثقله الجغرافي والديني والاستراتيجي، ليس بمنأى عن هذه المواجهات، بل هو في صلبها، ويُستهدف بأساليب متعددة، تبدأ بالإرهاب والاختراقات السياسية، ولا تنتهي عند تمزيق نسيجه الاجتماعي من الداخل.

وتُستخدم في هذا الاستهداف أدوات متعددة، أبرزها جماعات متطرفة تتستر بالشعارات الدينية، فيما هي عمليًا تُنفذ أجندات خارجية تهدف إلى التفكيك وإضعاف الدولة. يوازي ذلك غياب موقف عربي موحد، وتواطؤ بعض الأنظمة عبر مسارات التطبيع والتبعية، ما جعل العراق والمنطقة برمّتها عرضة للتفكيك، في ظل ازدواجية فاضحة في تعامل المجتمع الدولي مع قضايا الأمة.

لكن العراق لم يفقد كل أوراقه. فلا تزال المرجعية الدينية الرشيدة تمثل بوصلة وطنية وأخلاقية، كما أثبت الحشد الشعبي الباسل قدرته على الدفاع عن البلاد في أحلك الظروف. إن التمسك بهذين العنصرين هو واجب وطني وأخلاقي لا يجوز التفريط به. وتلوح في الأفق فرصة سياسية مهمة تتمثل في الانتخابات المقبلة، التي قد تفتح الباب أمام ولادة حكومة وطنية قوية، تعبّر عن إرادة شعبية حقيقية يعقد عليها الشعب امال كبيرة وطموحات معطلة أهمها بناء دولة قوية تسود فيها روح المواطنة لكل مكونات الشعب العراقي.

وهنا، لا بد من توجيه نداء صريح إلى جميع الفاعلين السياسيين: إن استمرار الانقسام، وتغليب المصالح الحزبية والشخصية، بات يشكل خطرًا حقيقيًا على العملية السياسية برمتها، ويهدد بانهيار المكتسبات التي تحققت بعد عام 2003.

            كما يجب أن يدرك القادة السياسيون أن العراق لا يحتمل مزيدًا من التشرذم، وأن الوطن أكبر من أي حزب أو طائفة. المصلحة الوطنية ووحدة القرار، هي السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار، وحماية البلاد من الانزلاق إلى فوضى لا تُحمد عقباها، اخذين بنظر الاعتبار التحديات الإقليمية والدوليه وما يراد من تقسيمات للخزيطة السياسية للمنطقة وتنفيذ ما يسمئ بمشرع الشرق اوسطي، الذي اسفر عن علاقات دولية معقدة وصلت الئ حد الصراع السياسي المسلح كما في الكيان الصهيوني وايران.

            إن العراق قادر على أن يتحول إلى قوة توازن إقليمي لا مجرد ساحة نفوذ ،بما يمتلكه من مقومات طبيعية وبشرية وموقع استراتيجي، إذا ما تمكن من ترسيخ استقلال قراره السياسي، وتحقيق توافق داخلي جامع، والانفتاح المدروس على محيطه الدولي والإقليمي. والإجابة على سؤال “إلى أين؟” تظل رهن الخيارات التي سيتخذها العراقيون، قيادة وشعبًا.

الوقت لا ينتظر، والتحولات من حولنا متسارعة. فإما أن نبني دولة قادرة، عادلة، ومستقلة، أو نواصل الدوران في فلك الصراعات التي تهدر التاريخ والمستقبل معًا.

 

 


مشاهدات 80
الكاتب رعد عبد الحسين المياح
أضيف 2025/07/21 - 3:30 PM
آخر تحديث 2025/07/22 - 2:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 499 الشهر 14406 الكلي 11168018
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير