الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كونديرا الذي كتب نصين


كونديرا الذي كتب نصين

مصطفى حميد مجيد

         

في روايته  ميلان الذي خان كونديرا.. يسلط الضوء  الروائي المائز علي بدر عبر مخبره الكيميائي على تفاعلات (الكائن، السلطة، الفرد، الذات، الهوية، الحرية، الحقيقة) وغيرها  ومدى سلوك كل هذه العناصر في حال تعرضها لدرجات سلطة وقمع وأستبداد وشمولية عالية الأمر الذي ينجم عنه دون شك أهتزازات وأرتباكات نووية مجتمعية وفردانية على حد سواء تجاه هذا المهيمن (الماسخ الضوئي) أن صح القول ( القوى الأيدلوجية الغاشمة) وهي تختطف الجغرافيا والتاريخ والوطن والوطنية والسياسة والهوية والعقيدة والحقيقة في لحظة زمنية فارقة ماينجم عنه في محصلة الأمر مواطناً منشبكاً وملتبساً ومتلبساً  وملقى القبض عليه عنوة بكل هذا وأكثر  ومن دون أن يكون له أي بارقة خلاص فيما يدور حوله وبما يجري  في آن ..

أن كونديرا الشمولي والواقع تحت أفيون الشعار والخطاب  والسلطة وفي فاصلة أنفعالية لافتة  يقوم بالوشاية بالمعارض دفوراسك الذي يخطط للهروب من قبضة تلك  السلطة الغاشمة   مايسفر عنه أخيراً  حكماً بالأعدام لهذا المعارض  يخفف بالتالي الى  سجنٍ لمدة أثنان وعشرين عاماً في سجون الأشغال الشاقة حتى مماته أخيراً متعفناً في تلك الوشاية الجدلية وذلك المصير الرهيب  ..

أما كونديرا المتحلل الى عوامله الأولية أي الذات المنزوعة الحمولات الأيدلوجية والتعبوية والحزبية  وهو يختار فعل الهروب الى فرنسا الان    بدلاً عن دفوراسك هذه المرة مستقراً في فضاء الأسترخاء والحرية والأريحية الباريسية فقد زاول وظيفة المثقف النقدي تجاه وطنه الأم جيكوسلوفاكيا وما تمور به من صرعة شمولية وأستبدادية واسعة النطاق الأمر الذي يجعلنا ننتهي الى نصين فقط كتبهما  كونديرا لاغير  نص وهو تحت الأقامة الشمولية مرة ونص وهو  يتنشق هواء باريس تحت سماء الحرية الواسعة مرة أخرى هذا أذا ماسلمنا بأن نص الوشاية كان أنعكاس زئبقياً لأداء الكائن تحت تأثير لحظة أيدلوجية وشعارتية  مائجة بينما كانت كل نصوص كونديرا اللاحقة وهو يستوطن فضاء الحرية الباريسية  هي بمثابة  نص أسترخائي واحد يعبر عن تنفسه الصعداء وهو لاينتمي الا اليه  في هذه المرة تحديداً ..

خارج كونديرا

———-

علي بدر وهو يعنون روايته ( ميلان الذي خان كونديرا) حيث تنفتح الخيانة هنا لتؤدي مهمة دلالية أكثر منها مهمة وظيفية بأحالتها المرجعية المتعارف عليها فالخائن ميلان الأبن الذي يخون أباه كونديرا هو تعبير فيه كثير من الأشارة الى مغادرة الأبن لجلدة أبيه الرمزي لمغادرة الحاضنة والأدلجة والأنتماء والهوية بوصفها حقنة ضد الأنزياح والفردانية والذاتوية والخروج واحداً أحد خارج سرب وأبواق وحنجرة   السلطة وركبها النشاز للغاية ..

نص في نصوص

——-

    تستنفر رواية البدر رقعة الشموليات كلها لتضعها تحت عدسة القراءة وأنظمة التفكيك والتحليل جميعها وهي تقلب محنة العارف والمبدع والذهني والمحترف للفكرة والفلسفة والتفكير عموماً في ظل هذه الأنظمة الماسخة المتعسفة والتي تريد وبقوة غاشمة من تسجيل كافة قدرات ومؤهلات وأمكانات رعاياها وأبناءها ومبدعيها بأسمها الأمر الذي مؤداه كاتباً مثل كونديرا أو غير كونديرا وفي أي رقعة شمولية أخرى عليه أن يبقى رغماً عنه  محتجزاً ومحتضراً  أبداً داخل القفص الصدري الرهيب لهذه السلطة المتوحشة  وهذه المحنة تحديداً هي ذاتها ماعاشها  المبدع العراقي المسكين أبان حقبة السجن المخيف على مدى المقطع الأيدلوجي الفائت وهي جدلية الخيانة الهوية الفرد السلطة التي يطرحها البدر الهائل

وهو يحاول أن يفكك فعل الخيانة مرة ليقرأه بدلالة كل هذه المناخات والمرجعيات التي تحيطه وتسوره  هذا بالأضافة الى مايثيره من أتساع في قول أن مأزقاً  وجودياً خانقاً  كان أرتهن مصائر أنسانية  بأسرها ولم يزل حتى اللحظة يؤبدنا بخطابه وشعاراته وهوياته ونفقه المرير  الطويل المظلم


مشاهدات 87
الكاتب مصطفى حميد مجيد
أضيف 2025/07/19 - 1:45 AM
آخر تحديث 2025/07/19 - 7:13 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 219 الشهر 11912 الكلي 11165524
الوقت الآن
السبت 2025/7/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير