الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
علم الفانوس

بواسطة azzaman

علم الفانوس

نبراس المعموري

 

حين كنا صغاراً، اعتدنا أن نلوذ بذلك الفانوس الصغير الذي يضيء عتمة منازلنا في لحظات انقطاع الكهرباء. كان دليلنا في الظلام، ورفيقنا في لحظات الدراسة، والحديث، وتناول الطعام. لم يكن مجرد وسيلة إضاءة، بل كان ونيساً حميماً يزرع الطمأنينة في زوايا البيوت. تحول الفانوس مع الوقت إلى جزء من الهوية اليومية العراقية، حتى أن البعض كان يتسابق لاقتناء الأجمل والأكثر تميزاً، وكأن لكل بيت فانوسه الخاص الذي يعكس شيئاً من ذوقه. لكن، رغم الضوء الذي يمنحه ذلك الفانوس ، كان للدخان رأي آخر… الكربون المتصاعد يلتصق بجدرانه الزجاجية، ليحجب النور شيئا فشيئاً. وكأنه يهمس لنا بأن الضوء له عمر افتراضي، وأنه لن يستمر ما لم نبادر بتنظيف الزجاج وإزاحة ذلك السواد المتراكم !  إشارة رمزية إلى أن أي نور في الحياة بحاجة إلى رعاية مستمرة وصيانة داخلية. تأملت كثيراً في هذه الأداة  الصغيرة التي تختزن الضوء والدخان، وانشغلت بفكرة: هل للفانوس علم؟ وهل يمكن لما كان في طفولتنا مجرد أداة، أن يتحول إلى رمز ومعادلة أعمق؟

علم الفانوس

ربما نعم… لأن من يُنتج النور لا يمكن أن يُختصر في أداة. فالضوء قد يكون بشارة خير، أو ثمرة جهد، أو أمل عاد من غيابه، أو نجاح مستحق. إنه أكبر من كونه مجرد لهب صغير. لقد تمدد “علم الفانوس” ليغزو كل الأماكن. لم يعد حكراً على البيوت الدافئة، بل بات جزءًا من تحولاتنا الحياتية، يعكس احتياجاتنا الجديدة، ويواكب سلوكياتنا وأفكارنا المتغيرة.

لم أدرك عمق هذا المعنى إلا ذات صباح، حين رن هاتف احد الأشخاص في مكان العمل لا أعرفه جيداً، وكان يتحدث مع آخر ويقول بنبرة تهكم: “قابل هي علم الفانوس؟”.

لم يكن يعلم المتحدث كم كنت بحاجة لتلك العبارة… كنت مرهقة من العمل، مثقلة بالالتزامات، متوترة من تأخر الإنجاز، لكن – تلك العبارة – لامست قلبي وعقلي في آن واحد . وجدت نفسي أكتب فوراً: علم الفانوس.

حينها فقط، تذكرت والدي – رحمه الله – عندما سألته وانا طفلة: “بابا، شنو معنى اسمي؟” فأجابني مبتسماً: “انتِ يا بابا قنديل… مضيء، مثل الفانوس”.

فرحت وقتها لأن لأسمي معنى يرتبط بالضوء، وها أنا اليوم أدرك أن اسمي ليس فقط جمالية لغوية، بل رسالة… نور لا يجب أن يخبو، مهما تعاقبت الضغوط وكثرة التحديات .

علم الفانوس ليس مجرد استعارة… إنه حالة نعيشها، وجهاد يومي لنُبقي الضوء حاضراً رغم الدخان، ولنتذكر أن كل شعلة، وإن كانت صغيرة، قادرة أن تهزم الظلام… إن نحن فقط اعتنينا بها.

 


مشاهدات 90
الكاتب نبراس المعموري
أضيف 2025/07/16 - 4:54 PM
آخر تحديث 2025/07/17 - 6:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 172 الشهر 10694 الكلي 11164306
الوقت الآن
الخميس 2025/7/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير