الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
البرامكة الجدد..هل يعيد الغرب إنتاج نكبة العباسيين ؟

بواسطة azzaman

البرامكة الجدد..هل يعيد الغرب إنتاج نكبة العباسيين ؟

اورنيلا سكر

 

ما يجري اليوم لحزب الله يعيد إلى الأذهان نكبة البرامكة في العصر العباسي. فهارون الرشيد لم يقصهم لأنهم «فرس» أو «مجوس»، بل لأنهم باتوا قوة علمية وفكرية نافذة تهدد بنية السلطة التقليدية، وخلقوا نقاشًا فلسفيًا متقدمًا. نفوذهم الواسع وسحبهم البساط من تحت أقدام السلطة هو ما عجّل بنهايتهم. اليوم، يتكرر المشهد مع حزب الله؛ فشيطنته لا تنبع من كونه «حزبًا إرهابيًا»، أو «تابعًا لولاية الفقيه»، أو «تاجر كابتاغون» كما يروّج البعض، بل من كونه قوة مقاومة مستقلة تتحدى الإرادة الغربية، وتحمل مشروعًا تحرريًا يراعي خصوصية هذه المنطقة وهويتها.

الغرب لا يريد قوة مستقلة في الشرق، بل يسعى إلى تغريب الثقافات، وتوحيدها في قالب واحد يُسهل السيطرة عليه. الهدف ليس فقط الهيمنة السياسية والاقتصادية، بل السيطرة على الذاكرة والهُوية، عبر مشروع استعماري يُكرّس وجود إسرائيل الكبرى كحقيقة لا يمكن تجاوزها. الحداثة والتطور التقني، بدلًا من أن يعزّزا الإنسان، ساهما في تفريغه من قيمه، وتحويله إلى فرد غريب عن ذاته، لا يملك قراره، ولا أدوات تقدّمه الحقيقية.

اليوم، نحن أمام شعوب تُصنع وتُصاغ داخل غرف التحكم الكبرى في الغرب، عبر أدوات ناعمة: الذكاء الاصطناعي، السوشيال ميديا، الإعلام الموجه، والتقنيات الرقمية. شعوب تُقاد لا تفكر، تُفعَّل عاطفيًا ولا تُشغّل عقليًا، وفق ما تسميه الأدبيات الحديثة «نظرية القطيع».

أما الخطاب الذي طُرح مؤخرًا على خلفية المقدمة التي ألقاها الزميل الاستاذ الإعلامي وليد عبود،  بشأن حزب الله، فقد جاءت جميلًة من حيث الشكل، لكنه فارغ من حيث المضمون. لا يلامس الحقيقة ولا يعالج جوهر الأزمة، بل يتعامل مع أدوات الأزمة لا مع صانعيها. يُوجَّه إلى الضحية لا إلى الجلّاد.

من الذي صنع الخميني؟ ومن أدار الانقلاب على الشاه ومصدق؟ وثائق الـCIA لا تزال شاهدة على الأدوار المخابراتية التي أسّست لنظام بديل في إيران، يمهّد لمشروع تقسيم العراق لاحقًا وتعميق الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة، بما أدى إلى دمار هائل في بنية المجتمعات العربية.

من سمح بتمدد حزب الله في لبنان وسوريا والعراق واليمن؟ من رسم خارطة الفوضى في المنطقة؟ من شرعن الطائفية وحوّلها إلى أداة تفتيت؟ إنه الغرب ذاته، الذي يدّعي محاربة «الإرهاب»، بينما هو من صنعه وغذّاه وسلّحه.

قلب الحقائق

الغرب استطاع، عبر أدواته الثقافية والإعلامية، قلب الحقائق، وتوظيف مفاهيم «الإرهاب» و»المرتزقة» و»الحريات» لخدمة مشروعه، ولتصفية أي مشروع تحرري عربي حقيقي.

وحين يُفتح النقاش حول سلاح حزب الله، علينا أن نُدرك أن مَن يسعى لنزعه هو الأمريكي والإسرائيلي، لا حرصًا على لبنان، بل خوفًا من قوة كشفت، كما في 7 أكتوبر، زيف منظومة القيم الغربية، وعرّت ازدواجية الخطاب الغربي تجاه حقوق الإنسان، وخصوصًا حقوق الشعب الفلسطيني.

الهدف الأكبر للغرب لم يكن أبدًا التقدّم بنا، بل إجهاض أي ولادة فكرية أو سياسية عربية. خنق المشروع القومي، وضرب الوحدة، وفرض سلام مزيف لا يقوم على شروط عادلة ولا ندّية، بل يُراد لنا فيه أن نكون أتباعًا وعبيدًا ضمن منظومة استعمارية معاصرة.

أنا مسيحية مارونية من مجتمع يُصوَّر بأنه متعصب طائفيًا، لكن هذا الخطاب لا يمثلني. لأنه ببساطة غير وطني، وغير إنساني، وغير موضوعي. الغرب الذي يُروّج له كمنقذ، أراد في الحقيقة محو هويتنا ومسخ وجودنا، وإغراقنا في طوائف متناحرة وأزمات مصطنعة.

كنت أنتظر خطابًا فكريًا جادًا يفتح نافذة حقيقية للحوار بين الشرق والغرب، بين الإسلام والمسيحية واليهودية، لا أن يعيد إنتاج خطاب استشراقي مريض مملوء بالكراهية والعنصرية، يعيد نفس الأسطوانة حول حزب الله، متغافلًا عن أن أمريكا نفسها هي من مارست أبشع أنواع الإرهاب: من إبادة الهنود الحمر إلى غزو العراق وتقسيم السودان وتفكيك ليبيا ودعم الاحتلال.

إذا كانت القوة هي مقياس الشرعية، فالخريطة الأمنية تغيرت، والعالم اليوم بات متعدد الأقطاب. أما إذا كان الحديث عن الإرهاب كفكر، فالعلاج يبدأ من منابعه الفكرية والثقافية والاجتماعية، لا من أعراضه الظاهرة.

الجرأة الحقيقية ليست في استعادة الخطاب الغربي المعلّب، بل في كشف الظلم والاستعمار الجديد، وفي حماية الشعوب من أن تُستغل وتُستنزف وتُستخدم ضد بعضها البعض.

وقوفي إلى جانب قضايا العرب والمسلمين ليس تعصبًا دينيًا، بل موقف أخلاقي، وطني، وإنساني.

كفى تزويرًا للحقائق، كفى تلميعًا للجلّاد، كفى عبوديةً تحت شعارات الحرية.

 

 


مشاهدات 57
الكاتب اورنيلا سكر
أضيف 2025/06/28 - 12:18 AM
آخر تحديث 2025/06/28 - 6:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 161 الشهر 17188 الكلي 11151842
الوقت الآن
السبت 2025/6/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير