ثورة العشرين وأسباب قيامها وغياب الخيانة

عادل الياسري

لم يجرؤ المؤرخون العراقيون  الوقوف على أسباب فشلها ، وذلك سوف يفتح عليهم باب جهنم ، ولاسيما المواقف المتخاذلة لبعض الوجوه الاجتماعية .. إنهم درسوا أسباب قيامها بما تسير لهم من الاسباب .. ويمكن القول حين درسوا أسباب قيامها  حيث صارت  بين المد الجز   . وان اول من انتقد هذا الخطاب د. علي الوردي واصفا إياه  بالخطاب الحماسي بمعنى يفتقد إلى الموضوعية…! وثمة أمر أخرى بعد الذكرى المئوية لم يقفوا على التقارير السرية البريطانيةعن الثورة ومواقف الضباط السياسين  ويومياتهم  حيث توجد عشرات التقارير عن المدن التي اشتركت في الثورة وحتى بعد انتهائها لمعرفة اسباب قيامها في الأرشيف البريطاني حذرا من الامس.. وقد اعتمدت على هذا في بحثي ..ولم يقف المؤرخون العراقيون على أسباب قيامها من روح صحافتها .. بيد أنها ترجمتها  بدقة وموضوعية   في وقت مبكر من الثورة واني اعتبرها من اهم المصادر وهي أقرب إلى تفكير الشارع .. وقالت صحيفة الاستقلال البغدادية عن اسبابها  .

1- روح الاستقلال المتسربة في جسم المجتمع العراقي  .

2- مبادئ ولسن ( الرئيس الأمريكي ومبدأ تقرير المصير ) ومنشورات  الحلفاء وعهودهم ووعودهم التي رصنت هذه الروح …

 3 - أعمال الحكام السياسيين احدثت عملا رجعيا ( القسوة وغيرها )…

4 - الاعتماد على رأي من لا يعتمد عليه من الشعب ..

5 - الشدة التي استعملتها الحكومة ( المحتلة) في تسكين ثورة النجف الأولى.

6- عدم التفاهم الذي حدث بين زعماء الأمة والحكومة  ( اي إدارة الاحتلال ).

7 - نفي  بعـــــض زعماء  الأمة وتبعيدهم .

ومما لفت انتباهي هذه  الدراسة  النقدية لمصادرها في كتاب جديد للمفكر والباحث سيّار الجميل. وجدت من الضروري الوقوفقبل البدء بالحديث عن هذا البحث ، لابد من الحديث عن المؤلف ونشاطه الفكري خلال أربعين عاما حيث قدم عدة دراسات فكرية وتاريخية عن العراق وله مؤلفات كثيرة وهو غني عن التعريف. ويكتب لبلاده وشعبه وهو بعيدا عنهم في  (كندا) . وقبل عدة أشهر صدره له هذا الكتاب الموسوم (التكوين التاريخي للعراق الحديث) وكان مجلدا كبيرا عدد صفحاته سبعة مئة صفحة.. وعدد فصوله أربعة عشرا فصلا..وما يهمنا ( ثورة العشرين) وقد جعل لها فصلا كاملا وهو الفصل السابع ويعد من أكبر الفصول البحث. وذكر ان هذا الفصل قدم الى أحد مراكز الأبحاث في الدوحة للذكرى مئوية الثورة.يمتاز هذا الفصل بالدراسة النقدية لمصادر الثورة فهو لم يكتب لنا سرديات وروايات وحكايات من الماضي العتيد او بطولات او مفاخرات حيث درس معظم ما صدر عن الثورة منذ اول كتاب صدر عنها للبصير محمد مهدي حتى اخر اصدار.. ولابد من الإشارة ان إبراهيم حلمي العمر هو اول من أراد ان يكتب في صحيفته ( لسان العرب) عنها .. وان البصير تنسى وتجاهل  زميله الملا عثمان الموصلي في كتابه الذي كان قبله أو بعده يقرأ المنقبية الدينية في المساجد البغدادية ( السنية والشيعية ) للتحريض  على الثورة ..! وكان اكثر منه شهرة لكنه توفي في وقت مبكر… ويعتمد الجميل  على تفكيك النص ويقول.. (يقوم الباحث بمهمة نقدية للمسردات ونصوص المؤرخين بعد مرور مئة سنة على الحدث..). ويرى ان زيادة أهميتها عند العراقيين بسبب تنازعهم على تملكها واحتكارها فكل طرف يسحبها نحوه ليفخر بالمشاركة فيها او يصر على ان يكون هو صاحبها الحقيقي وينفي مشاركة الاخرين فيها.

وأنا اتفق معه جملة وتفصيلا بهذا الرأي وان سوق عكاظ هو المحفل الكبير لإحياء ذكراها بالمفاخر الشخصية وان المهاويل طنينها بدلا من دراستها من جميع جوانبها  .

وعبر عن الأسى في كتابات المؤرخين عن الانتهاكات الطائفية للوحدة الوطنية او الصبغة الطائفية لكتابة تاريخ الثورة ووصفها انها مورست بلا عقلانية والتي تأججت بشكل مفضوح بعد عام 1979.

صعوبة الاختراق

والجدير بالذكر ان المس بيل وصفت الوحدة من الصعب اختراقها ..لكني لا ادري   لماذا التراث التليد العتيد  يهشموا رأسه وان ثورة العشرين هي التي صنعت الوطنية العراقية .

ويقول عن تاريخ الثورة.. ان العراقيين اساءوا لفهمهم لها.. وان العراقيين ساهموا بتشويه الحدث أكثر من البريطانيين في فهم الحدث وإذا كان أطفال العراق تعلمها مشوهة فأنها اليوم محيت من الذاكرة. ويضيف ليست اية رؤية موحدة بين المؤرخين العراقيين الذين اعتنوا بالحدث.

وذكر المؤرخين  بأسمائهم وطبيعة كتاباتهم بوصفة حيادية نقدية (محمد مهدي البصير تاريخ القضية العراقية)؛ محمد امين طاهر العمري مقدرات العراق السياسية واصفه بمعلوماته الخصبة بأجزائه الثلاثة وعن مذكرات تحسن العسكري. ويكتب التناقضات بين الشيخ والافندي أي بين فريق مزهر الفرعون وبين علي البازركان. وثم ينتقل الى مذكرات السيد محسن أبو طبيخ ويقول كان أسلوبه تقليدي عادي ثم يتطرق الى كتاب المؤرخ الكبير السيد عبد الرزاق الحسني ويعتبره كاتبا قوميا ومحذرا الباحثين عن النسخة المزورة لسفر الحسني (الثورة العراقية الكبرى) التي طبعت في قم…! لقد سألت السيدة أحلام السيد عبد الرزاق الحسني عن هذه النسخة المزورة؛ قالت حين علمت بها؛ اتصلت بوزارة الاعلام في وقتها ولكنهم لم يقدموا او يفعلوا أي شيء يذكر أو كأنه لم يكن شيئا مذكورا.          ويشير ايضاً  الى عبد المنعم الغلامي ويقول عنه لولا جهوده لغابت معلومات في غاية الاهمية.وينتقل الى عنوان اخر الاكاديميون العراقيين مجيد خدوري؛ زكي صالح ؛ محمد سلمان صالح ؛ عبدالله فياض؛ علي الوردي ؛ غسان العطية كمال مظهر ؛ وعن كتب المذكرات والسير جعفر الخليلي ؛ باقر السيد احمد الحسيني؛ ناجي شوكت ؛ الماركسيون ضد الثورة ( ل.ن .كانلوف )؛ ثم عباس كاظم : اختلاف في المعنى .وكان الكتاب الأخير بحثنا (جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري في ثورة العراق التحررية 1920 وصناعة الوطنية).يقول فيه: نشر عادل الياسري كتابا مهما عن ثورة العشرين ويتضمن توضيح حقائق تاريخية مهمة؛ ويكتب ناقدا كتب التاريخ التي تغيب عنها الدقة ابان حقبة معينة؛ بالإسناد الى معطيات جديدة وعن الكشف عن معطيات مستجدة تفصح عما يخالف السائد والمكتوب وحتى المترسخ في اذهان الناس وبالتالي عما يضئ من زوايا معتمة ويكشف عن حقائق تاريخية غيبت بقصد او غابت بدون قصد.. ويضيف ويؤكد المؤلف على ما سماه بثقافة الحذف بحيث حذفت أسماء ومعلومات من اهم وثائق ثورة العشرين ووضعت بدلها أسماء ومعلومات أخرى ...الخ

رجال وطنيون

ويقول أيضا: ويكشف عادل الياسري ناقدا في دراسته التي اعتمدت على وثائق الاستخبارات البريطانية فضلا عن رسم ملامح مؤكدة عن مواقف قادة الثورة. مدعما معلوماته الدقيقة بالأدلة والوثائق عندما يثبت ما تورّط البعض به سواء كانوا عشائريين ام رجال دين ام سياسيين من اجل منافع شخصية ضد رجال وطنيين ويفضحهم من خلال الوثائق وأيضا عن منح الإنكليز الرشاوي والليرات الذهبية الى ذلك البعض؛ إذ تكشف الاستار لأول مرة عن أناس اشتهروا بالتجلة والنبل والرفعة ولكنها اليوم ظهرت عارية إذ كانت تقدم مصالحها الشخصية على المنفعة العامة. وقد خُدعت طوال هذه العقود من الزمن المجتمع؛ وقد نالها الكثير من تمجيد المؤرخين الذين لم تتوفر لديهم لبعضهم الأدلة والثبوتيات لكشف حقائقهم.

ويبقى القول ان  بحث سيّار الجميل  جدير باهتمام الدارسين لتاريخ العراق .