الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الرارنجية من معارك ثورة العشرين الخالدة

بواسطة azzaman

الرارنجية من معارك ثورة العشرين الخالدة

جواد الرميثي

 

تُعد معركة الرارنجية أحدى حلقات ثورة العشرين الخالدة التي حدثت في 24 تموز من العام 1920 .

ومن المفيد اولا ان نعرف لماذا سميت بهذا الاسم . سُميت بمعركة الرارنجية نسبة الى مدينة الرارنجية ، والتي هي مقاطعة زراعية واسعة تقع بين الحلة والكفل ، تبعد عن الحلة 18 كيلومتراً وعن الكفل 12 كيلومتراً وتبلغ مساحتها 4000 دونما ، تروى بواسطة جداول ونهيرات صغيرة تتفرع من نهر الفرات (شط الحلة) .

 تفاصيل المعركة

بدأت ظهيرة يوم 7 ذي القعدة / 23 تموز 1920 ' بعد إن استعرضت القوة البريطانية في مدينة الحلة ،  بقيادة الكولونيل (هاردكاستل ) ، وبعد الاستعراض قرّر (الميجر بولي) حاكم لواء الحلة السياسي إرسال قوة من حاميته إلى الكفل وفك الحصار عن (الميجر نوريدي) والقوة المحاصرة في خاناتها من جهة أخرى .

في ظهيرة 23 تموز تحرك رتل مانجستر المؤلف من 800 جندي بقيادة الكولونيل ( هارد كاستل ) وبات ليلته في منطقة تبعد عن الحلة خمسة أميال في منطقة (الإمام بكر)  .

صدرتالأوامرإلى كاستل بالتحرك وتحذير القبائل التي تقع في طريق مسيره ، وأن لا يتأخر في أطلاق النار عليها إذا شعر بأيإعتداء منها تجاه القوات البريطانية ، وأن يتريث في حركته ويحصّن المعسكر الذي يقضي فيه ليلته ، آملا بوصول نجدات إليه من الديوانية (القادسية ) ، غير أن الميجر بولي كان يلح على الرتل بسرعة التقدم إلى الكفل قبل أن يتمكن الثوار من إحتلال سدة الهندية فيكون أمر الفرات وإنقاص مياهه وتعطيل الحركات النهرية فيه بيد الثوار ، وبالتالي يتعذر على الإنكليز الإستفادة من هذا النهر ، وقد نجح الميجر بولي في إلحاحه ، فصدرت الأوامر إلى الحملة بالتقدم إلى الأمام حتى وصلت عند قناة الرارنجية في المقاطعة المسماة باسمها، فكانت هذه القناة بمقام خط دفاعي نظرا لانخفاضها .

 بدأ الجنود الانكليز يحفرون الخنادق ويقيمون السدود ويحصنّون المعسكر حسب الأوامر الصادرة إليهم ، إذ كانوا ينوون أن يقضوا الليلة الثانية في هذه القناة ( الرارنجية ) ، ومن الجدير بالذكر إن إبراهيم السماوي رئيس خفاجة قد صحب الرتل ليكون دليلا له وعونا ، ولكن ضميره استيقظ في اللحضة الاخيرة ، فتمكن من أن يتغيب عن الرتل ساعتين وذهب إلى عشيرته خلسة ، فارسل أحد الذين يثق بهم ليبلغ الثوار بأمر قدوم الرتل نحوهم ، وحينما علم الثوار بتحرك القوات البريطانية نحوهم ، زحفوا باتجاهها من الكفل بقوة تتراوح بين (2500 – 3000 ) مقاتل ،وهم يهزجون: (رد مالك ملعب ويانا)  .

اوامر العودة

 ذعرت الحملة لهذا النبأ وأراد ضباطها أن يصدروا الأوامر بالعودة إلى الحلة ، لكن التعب كان قد أعيا أفرادها حتى قرر طبيبها الخاص أنهم بحاجة إلى استراحة لمدة 24 ساعة ، غير أن الكولونيل ( هارد كاستل) لما شاهد الثوار وهم يتقدمون أصدر أوامره إلى البطرية 39 بإطلاق النار على الثوار ، ولكن الثوار باغتوا القوات البريطانية من كل مكان ، وحينما وصلواإلى مسافة 300 قدم ، هجموا عليها هجمة رجل واحد فألتحم الفريقان في معركة كبيرة حمل فيها السلاح الأبيض و(المكوار) على المدفع والبندقية . بينما كانت المعركة حامية الوطيس تقدم الشيخ مرزوك العواد رئيس عشيرة العوابد من محور ثان ، وقدم الدعم العسكري للثوار ، فأصبح الإنكليز بين نارين حاميتين ، واظهر الثوار من الفنون الحربية والخطط ما أثبت حنكتهم ومقدرتهم العسكرية ، وقال مرزوك هذا البيت المشهور مخاطباً فيه الجيش الانكليزي : ( ودّوه يبلعنه وغص بينه) .

ما أن دبّ الظلام حتى ذعرت حيوانات النقل العائدة للقوات البريطانية فسارت في وسط الجند، مسببة اضطرابا شديدا رافقها تحرك العجلات بصورة مرتبكة ، شاقة طريقها في وسط القوة فتفرق الجند وصاروا يقتلون بعضهم بعضاً ، وهم يعتقدون أنهم يقتلون الثوار ، فكانت هزيمة ماحقة لحقت بالقوات الغازية ، ولم ينج من المعركة إلا النـزر اليسير .

 كان الهجوم قويا لدرجة أن قائد الرتل أمر جنوده بالإنسحاب بعد نصف ساعة من الهجوم ، وأصبح الجنود يتسابقون إلى الفرار وحلت فوضى عارمة ، وصارت العجلات تمرق بين الصفوف فتمزقها تمزيقا ، ونشبت عند ذاك معركة ضارية بالسلاح الأبيض استعمل فيها الثوار اسلحتهم التقليدية كالفالة والمكوار والخنجر وأبدوا فيها شجاعة وبسالة . استمرّت المعركة نحو ست ساعات ، وكان القمر يومذاك في ليلته التاسعة ، فساعد نوره في إضاءة ساحة المعركة ، ولم يستطع النجاة من رجال الرتل إلا أقل من نصفهم .وصف القيادي الإنكليزي (هالدين) المعركة بالكارثة ، وقدر خسائرها بـ 20 قتيلا و60 جريحا و 318 مفقودا ، فضلاً عن ذلك فقد غنمِ الثوار مدفعاً من عيار 18 رطلاً استعملوه في ضرب الباخرة (فايرفلاي) واغراقها في ( شط الكوفة ) ، و 59 مدفعاً رشاشاً وكميات كبيرة من العتاد ، وتدمير عدد من العربات والآليات العسكرية ، بينما كانت خسائر الثوار قليلةولا توازي الخسائر البريطانية بالرغم من البون الشاسع  بين القوتين .الأسرى الذين وقعوا في أيدي الثوار ، سيقوا إلى الكفل مشيا على الاقدام ، فوصلوها  مساء يوم 25 تموز ، ثم نقلوا في اليوم الثاني إلى مدينة النجف ، والتي تعد معقل الثوار  .كان عدد الأسرى 144 منهم 80 بريطانيا فيهم ضابطان  و66 هنديا ، كان بينهم مسلمين وتم استقبالهم من قبل وجهاء المدينة واحسنوا ضيافتهم ومعاملتهم ثم تم انزالهم في بناية كبيرة تدعى ( الشيلان)  .

اطلاق سراح

خلال فترة الأسر سعى بعض قادة الثورة إلى إطلاق سراح الهنود المسلمين ، لكن رزاق عوده ( احد قادة الثورة) رفض ذلك خشية ان تُرمى الثورة بالتعصب الديني ، وقد تم تسليم الأسرى إلى القوات البريطانية يوم 19 تشرين الثاني .إن معركة الرارنجية موّلت الثوار بكل ما يحتاجون اليه من عتاد وذخيرة لمدة طويلة  ، فضلا عن السلاح الذي غنموه من  معركة العارضيات في الرميثة ، وسجلت البطولة النادرة للثوار العراقيين ،واصبحتةمثلا يحتذي به في بسالة الثوار الذين كانوا لا يملكون سوى وسائلهم القتالية البدائية مثل ( الفالة والمكوار والخنجر) .امتد قتال الثوار في الكوفة والحلة والهندية والديوانية وديالى وتل عفر وبعقوبة وشهربان ، وفي ذرى الشمال قاتل ثوار العشرين قتالا باسلا وهزموا القوات البريطانية شر هزيمة .يصف علي الوردي معركة الرارنجية قائلا:(يمكن اعتبارها  نقطة تحول في ثورة العشرين وأعظم معاركها على الاطلاق ، فإن الكارثة التي حلت بالانكليز ووفرة الغنائم التي وقعت بأيدي العشائر أصبحت محور دعاية كبرى للثورة ) .وبذلك تُعد معركة الرارنجية من الفواصل التاريخية المهمة في تأريخ العراق الحديث ، إذ على اثرها اضطر الانكليز  إلى تشكيل حكومة وطنية في العراق بزعامة فيصل بن الحسين عام 1920 .

 


مشاهدات 113
الكاتب جواد الرميثي
أضيف 2025/06/25 - 3:28 PM
آخر تحديث 2025/06/26 - 5:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 404 الشهر 16378 الكلي 11151032
الوقت الآن
الخميس 2025/6/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير