الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
البابا فرنسيس.. لا الهرب ولا السيف أفادا شيئاً  (1)

بواسطة azzaman

البابا فرنسيس.. لا الهرب ولا السيف أفادا شيئاً  (1)

بيوس قاشا

 

«لا الهرب ولا السيف أفادا شيئاً»... قالها البابا فرنسيس يوم زيارته للعراق الجريح في خطابه أثناء إقامته القداس الإلهي في كاتدرائية مار يوسف للكلدان عصر يوم السبت 6 آذار 2021.إن تاريخ المسيحية مجبول منذ ولادته بالإضطهاد والقتل والمجازر والصلب والطرد، ذلك كان شأن كل التلاميذ ثم الكنيسة الأولى المضطَهَدة (لوقا 12:21-19) ، ونسير في تاريخ الإضطهاد في شرقنا حتى نصل إلى مذابح سيفو والإبادة التي حصلت على يد العثمانيين. كما ولا زالت اليوم تُكمّل الإبادة مسيرتَها بطرق متنوعة وبخطط عديدة في قلع الأصلاء من أرضهم وطردهم من حقيقة ترابهم وإفراغ الشرق منهم ومن بلاياهم، إنها جراثيم ضد الإنسانية تجعل من الدين (داعش) إعلاماً لتدمير الآخر بتشويه التفسير وجعله علامة في رفض المختلف ورفض الآخر وإنْ كان كتابياً، والبابا فرنسيس يقول «لا نجوز أن نقتل إخوتنا باسمه» (حوش البيعة، الموصل في 7/3/2021) وهذا ما يجعل أنْ يقال أنّ المسيحيين على وشك الإنقراض وضحايا للإبادة الجماعية المخيفة وسلوك سيئ لمسيرة الإنسان المتحضر، لذا فعلى المسيحيين أن يعودوا إلى الأصل وإلى الينبوع الذي لا ينضب، إنه المسيح الحي.

فالتنوع مطلوب، وقبول الآخر المختلف ضرورة، وتلك خبرة كنسية إيمانية عاشها قبلنا مسيحنا الحي مع تلاميذه بخبرته وخبراتهم، ولكن ما جمعهم هو «المحبة الكاملة» (يوحنا 34:13) التي ملكت على قلوبهم دون محاباة.

حقائق ركيزة

فالإيمان بالله يعني الإيمان بأن المحبة أقوى من كل شيء «وأعظمهنّ المحبة» (1كورنتس 13:13) حتى من الإنسان نفسه لأنها هبة من العلي، فهي أقوى من الموت وهي ركيزة الحقائق كما إنها حقيقة الإيمان وبها إجتاز المسيح وتلاميذه كل الحدود دون تحديد صعوبة الحياة وعمق الألم، وما ذلك إلا نداء لمسيرة مسيحيتنا كي يكون المسيح الحي حاضراً في كل لقاء ومع كل إنسان، لأن الموقف المسيحي نابع من موقف المسيح الحي ولا يجوز أن تسود الإنسانية إلا المحبة. فالمسيحيون يشعرون بالألم من مسيرة بعض كبار الزمن والدنيا الذين لا يسألون إلا عن مآربهم ومصالحهم ومنافعهم، ولم يكن بإمكانهم أن يردّدوا إلا بعض البيانات والإستنكارات والكلام الصارخ والتأوّه تجاه ما إرتكبه تنظيم الدولة الإسلامية حيث الدواعش وما هم إلا قادة أشرار لمسيرتها.

كما إن الغرب لم يتّخذ إلا موقفاً متفرجاً مما حصل حتى أدرك أن ذلك ربما سيمزقهم في دورهم، فكانت الحرب ضد الدواعش الأشرار. وأمام هذين الموقفين أتساءل: هل المسيحية ستختفي، تلك التي عُرفت وسبقت حضارات عديدة؟ أليس ذلك إجحاف بحق المسيحيين في أن يبادوا في بلدانهم؟ وهل لا يمكن للكوتا الخاصة بالمسيحيين أن تُدرك ما رسالتها أمام هذا الضياع؟ فإنني أخاف أن أقول الحقيقة في مجال كبار الزمن الذين يتنازعون من أجل مصالحهم ولكي تكون الكتل جزءاً منها.

عنف وقتل

كَثُرَ الكلام عن التشدد الإسلامي والإرهاب الداعشي، وعن حركات تكفيرية تقود المجتمع إلى زعزعة وحدته وإداء مكوناته في إختلافاتهم، كما إن الحديث عن هيمنة المجتمع السلفي على المجتمع الإسلامي إضافة إلى ما يحمله من العنف والقتل والإبادة، هذه العناوين وأخرى مثلها عناوين مخيفة لا تحمل إلا الدمار والعنف وإهانة الآخر مختلفاً كان أم لا. إنه تشدد وتعصب وتكفير في حق مَن يخالف الآراء والمعتقد، والمسيحيون ليسوا في منأى عن هذه العناوين المرهبة، فهم ضحاياها شئنا أم أبينا، لذلك تراهم يخافون من الآتي وينامون بقلق ويصبحون بخوف على مصيرهم ومصير عوائلهم وأموالهم وممتلكاتهم وإنْ كانت حال كل الناس هذه الأيام من مسلمين ومسيحيين، وإنْ كان الفكر الديني المتشدد والمتطرف ما عاد حكراً على أتباع دين من دون آخر، فالكل في باحة الخسارة، والكل يعيش واقعاً مريراً.

فما نحتاج إليه خطـــــــــاباً دينياً معتدلاً من على المنابر يقبل الآخر المختلف ويقرّ بحقوق كل إنسان في العيش وعدم التــــــــــــــــكفير في دولة مدنية تصون المواطن في حقوقه وتضمن مستقبله بغضّ النظر عن إنتمائه، فآية الكهف (سورة الكهف، آية 29) تقول (مَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر).

فلنعمل ضد الشر والإرهاب ولكن لا تستسلموا لليأس رغم أنكم تألمتم كثيراً (البابا فرنسيس في كلمته قبل زيارة العراق، 3/3/2021) من أجل مشاركة فاعلة في محاربة كل داعش لوقف هذا الجنون، ليس فقط في الميدان وساحة العمل بل في مجالات الإعلام والمدارس والجامعات لوقف كل سلاح ومال عن إرهاب الزمن وأشرار آخر الزمان، والعمل على البقاء في الوطن شهادة لأصالتنا ومسيرة إيماننا.

وهنا نسأل أنفسنا: هل نتفاعل من أجل مستقبلنا وبالذات في وطننا الجريح، وأنا في ذلك لستُ بســـــــــــــيطاً وساذجاً وإنْ كان ما نراه لا يمكن أن نتفاعل مع كل ما يحدث حولنا وأمام عيوننا ومسمع آذاننا ومرأى أبصارنا، ولكن ما أدركه أن الكلمة الأخيرة هي لله وليس للشرّ.

ولنتذكر التجربة الثالثة للمسيح الحيّ بعدما صام أربعين يوماً وأربعين ليلةً قال للشرير:»اذهب يا إبليس، للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» (لوقا 8:4).

 

  مونسنيور مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك


مشاهدات 49
أضيف 2025/06/14 - 3:16 PM
آخر تحديث 2025/06/15 - 6:43 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 520 الشهر 9961 الكلي 11144615
الوقت الآن
الأحد 2025/6/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير