العرب مابين العولمة الثقافية والمؤسساتية
عبدالرحمن الشيخ علي ال غصيبه
تتناقض روح الاقتحام التي تمتع بها العرب في القرون الاولى للاسلام مع استجابتهم الراهنة للعولمة التي تقودها المجتمعات الصناعية الغربية المتقدمة
فقد صنع العرب واحدة من اهم موجات العولمة في التاريخ الانساني ،عندما خرجوا الى شتى بقاع المعمورة محاربين وتجار وهداةوباحثين عن المعرفة والخبرة.
اما اليوم فاستجابتهم تتسم بالانكماش على الذات والخوف الشديد من الاخر ويطغى عليهم وجل هائل من التفتت وخشية مبالغ بها من الضياع والانهيار.
وهو ما يقود الى تفضيلهم للانفصال عن الحضاره العالمية او الوجود الانفصامي المستقل فيها
الفارق بين الموقفين لا يمكن قياسه فقط في المسافة الفاصلة بين دور القيادة ودور المتاخرين عن الركب ،
فالموقف الاقتحامي الذي جعل العرب يمسكون بزمام المبادرة الحضارية العالمية بعد بزوغ الاسلام قد استند الى شعور قوي بالواجب الرسالي المتمثل في الهداية الدينية والثقة بالنفس والرغبة في التعلم من الاخرين
رغم من ان العرب قد ذهبوا لملاقاة حضارات اقوى ومجتمعات اوفر واكثر قوة حتى في مجال الحرب
واليوم فان الانكماش واتخاذ موقف الدفاع حيال ما يسميه البعض بالغزو الثقافي هو استراتيجية بائسة وفاشلة تماما.
فلم تعد الاستراتيجيات الدفاعية والمستقلة قادرة على انقاذ الذات الحضارية من الهزيمة او التبعثر.
وانما صار الامل الحقيقي في الصمود رهنا بالتعلم واستيعاب واتقان ما لدى الاخرين من رصيد المعارف وفنون الانتاج ثم في الثقة بالذات والشعور بالواجب الحضاري واصلاح شؤوننا الداخلية
بعدما فسدت وتدهورت بدءا من نظام الحكم مرورا بنظام الجامعات والتعليم حتى الورش ومواقع الانتاج والخدمات لذا تحتاج الثقافة العربية احتياجا اساسيا وعميقا لامتصاص واستيعاب اهم المنجزات المادية للحداثة وهي المؤسساتية والتي تعني قبل كل شيء بالاهتمام بتمييز الخط الفاصل بين الشخصي والعام .
وخاصة فيما يتعلق بالدورالمهم للسلطة والاتصال الدائم بين الوظائف.
فلا يغيب موضوع التعاون ولا مفهوم حكم القانون عن الثقافة العربية اطلاقا ،ولكن استيعاب فكره المؤسسة ضعيف فيها للغاية رغم كونها قد عرفت اليات عمل اجتماعية مضطردة ومتواصلة.تنهض تلك الثقافة بمحيطات جوهرية لفكره المؤسسة، ولكنها تحتاج الى معطيات جديدة عليها مثل الدقة البالغة في تعيين الاختصاص والتمييز بين الادوار وتقسيم العمل واحداث التكامل بين الوظائف والاختصاصات عبر اليات مستقلة نسبيا عن الاشخاص .
وهي المعاني المهمة في فكره المؤسسة او المؤسساتية ويمكن ان تعني فكره المؤسساتيةالكفاءة ولكن الامر وامكانية وضرورةالنظرة العملية التي نسميها(( البراجماتية ))
والتي تقيم علاقة متينة بين الغايات والوسائل او الاهداف والوسائل وبين القيم واليات العمل المادية وغير المادية ايضا وفكره المؤسسة هي اقامة تلك العلاقة على نحو وثيق ومتصل في الزمان والمكان.
وهما ما تحتاج اليه الثقافة العربية بشدة فقد عرفت تلك الثقافة كما سبق وان تكلمنا مؤسسات بعينها مالت الى التركيز الشديد على العموميات والمطلقات في مقابل التركيز على النسبيات والجزئيات كما مالت للنظر في القيم والمبادئ السامية والاهداف العادلة والغايات النبيلة وهي قادرةعلى تنفيذ ذاتها بذاتها دون الحاجة الى مؤسسات واليات عمل منهجية تقوم عليها
والواقع ان هذه المنجزات هي ما تسمى (( مشروع الحداثة))