قتال ودمار .. أم سلام وحوار ؟ (3-3)
بيوس قاشا
كيف يكون؟... ألا يكفي؟!!!
إذن السلام ممكن بل واجب وهو عطيّة ثمينة نسألها من عند الله، ونبنيها بكل قِوانا عبر مبادرات سلام ملموسة من قِبَل كل رجل وامرأة. والبشر أجمعين - من أي دين كانوا، وكل السلطات من مدنية وروحية - مدعوّون للإسهام في توطيد السلام وتعليم الشعوب على احترامه، وتربية الأجيال على المحبة والمصافحة والغفران، إذ كيف يكون سلام وهناك خرق لحقوق الإنسان، هناك احتيال واحتكار، هناك بغض وكراهية وانتقام، هناك تكبّر وتجبّر واستبداد، هناك ضغوط مادية ومعنوية وعسكرية، هناك خنق للحرية، وهناك حرص لا مثيل له على المصالح الشخصية والعشائرية والطائفية والمذهبية؟!! إذ يقول البابا بندكتس السادس عشر:»لا يجوز فرض الدين الواحد على الجميع بل مراعاة حقوق الديانات الأخرى وممارسة معتقداتهم بحرية»، وهناك عدم إطمئنان للغد لدى المهجَّرين والعجزة والمعاقين والعاطلين عن العمل.
منازعات مسلَّحة
فلو كان عندنا سلام لمَا كنّا رأينا ما رأينا من أبنائنا وقد تفرّقوا تحت كل اسم وهم يتوقون كل التوق للعودة إلى أرض وطنهم. لو كانوا على يقين إنهم لا يلاحَقُون فيجدون عملاً يعنيهم ذلّ السؤال: ألا يكفي حرب ومنازعات مسلَّحة؟ ألا يكفي اللجوء إلى السلاح والعنف؟ ألا تكفي الأضرار الماديّة والمعنويّة التي تنتجها حالات القتال والدمار والتفجير؟ ألا يكفي أن يكون الإنسان ضحيّة العنف والإرهاب؟ ألا يكفي تنشئة الأجيال الصاعدة على الكراهية وحقد الآخر البغيض بدلاً من تثقيفها على المشاركة في الحياة ومقاسمة الحلول البنّاءة في المنازعات، فيكونوا في سلام وحوار... ليس إلا!؟.
الختـام
ختاماً - مع إعتذاري - بعد هذا المقال الطويل، أردّد وأقول: كلّنا مدعوّون أن ننظر إلى التحلّي بمشاعر السلام الذي غذّته الثقة بالله الرحمن الرحيم، وعِبْرها يزداد الأمل بيننا، عالم يسوده السلام. نعم، فالسلام كلمة صغيرة كحبّة الخردل، فعندما تكبر تصبح شجرة وتتفرّع أغصانها، ويتظلَّل في فَيْئِها الناس أجمعون مهما كانت أحوالهم وأنواعهم... فإذا ما سرنا في درب السلام:
يكون السلام إبتسامة بها نستطيع أن نقرّ بإخطائنا.
يكون السلام صداقة بها نغضّ النظر عن سيئات القريب.
يكون السلام نظرة بها ننظر إلى الآخر بصفاء النيّة وطهارة القلب.
يكون السلام لقاءً به نمدّ الأيادي للآخر قبل أن يمدّها الآخر إلينا.
يكون السلام في وئام وانسجام ونزع الحواجز عن دروب الناس المختلفين.
يكون السلام حواراً به نتقاسم مع الآخر خير الدنيا في السرّاء والضرّاء.
يكون السلام بذلاً وعطاءً بهما يضحّي الإنسان بحياته من أجل الآخر.
يكون السلام آية لبناء الوطن بدل الاقتتال والدمار.
فيا رؤساء العالم ويا قادة الشعوب، عبر الحوار كونوا خدّاماً للسلام. ألم تسمعوا ما قاله نبي السلام، عيسى المسيح:»مَن كان فيكم كبيراً فليكن لكم خادماً» (لوقا 27:22). فالعظمة ليست بقتل الأبرياء عبر حروب مدمِّرة ومن أجل غايات ومصالح أنانية وسياسية، ولا منفعة منها إلا مصلحية ودنيوية ومهاجمة المسالمين بحجّة الإبتزاز على مثال حكاية الثعلب والحَمَل، فتلك أفعال مشوِّهة لحقيقة الإنسان بل لصورة الخالق الرحمن الرحيم.
نعم، الحياة والسلام وديعتان إلهيّتان ولا أجمل منهما، فلماذا نشوّههما بأعمال الحروب والنزاعات، فنحن أخوة في أرضٍ واعدة. ما علينا إلاّ أن نوجّه أنظارنا نحو العلى طالبين السلام عبر الحوار. نعم، لم نُخلَق لنتقاتل بل خُلِقنا للحياة، للسلام وليس للقتال والدمار. فيا ربّ السماء، هَبْ بلادنا السلام. فيا رب السماء، هَبْ عراقنا السلام. يا رب السلام، إمنح شعبنا السلام.
مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك