فن إدارة المسرح عند كاظم الزيدي
مبدع يتميّز بالعدالة وعدم المهادنة في محاسبة الجميع
كافي لازم
تكاد تكون حياة الفنان كاظم الزيدي 1938 مختلفة نوعا ما عن ابناء من عاصروه حيث ان والده لن يرفض لولده ان يشتغل بمجال الفن لأنه هو الآخر فنان معروف في الوسط الفني انذاك وهو الفنان الراحل فليح الزيدي اذ كان فنانا شاملا يعزف ويغني ويمثل وشاعرا ينظم الاغاني فضلا عن كتابة السيناريو والاخراج السينمائي. عمل كاظم الزيدي مع والده في فلم (فتنه وحسن) مساعدا للماكيير الشهير فوزي الجنابي ثم في فلم (دكتور حسن) مساعد مصور وكان يعمل بمعيته دائما اخوه مرسل الزيدي الذي اصبح عميدا لأكاديمية الفنون لسنوات عديده كذلك كان فاعلا في النشاط المدرسي ثم في فرقة مسرح 14 تموز في مسلسلها المشهور (تحت موس الحلاق) مع بعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية مع الفنانين الراحلين خليل شوقي وخليل الرفاعي ثم انتقل الى المسرح الشعبي. وبعدها الى فرقة المسرح الفني الحديث /تبوأ عدة مناصب / مدير انتاج في شركة بابل/مدير مسرح المنصور /مدير مسرح الرشيد/مدير منتدى الشباب /ادارة عامة لمجمع النجاح /عضو مؤسس لفرقة النجاح 1988.
*وغالبا مايخفي النقاد دور الاداره المسرحية وادارة الانتاج في حصيلة العملية الفنية للعرض المسرحي. كما يحرم من الجوائز والتكريم والتقييم رغم الجهد الكبير المبذول وعلى الباحث المتخصص ان يدرك ان اي عمل ناجح ومؤثر جماليا وفكريا لابد من يكون هناك حالة من الانضباط الاداري يقوده شخص يسمى (مدير المسرح) ابتدأ من صغائر الامور وصولا الى اعقد حلقة في العملية الفنية فضلا عن مسؤوليته عن الفنيين الاخرين كالماكير ومنفذ الانارة والملابس والاكسسوار وحل الاشكالات الاخرى.
وهذا يحدث غالبا في العروض الكبيرة التي تمتد اشهرا او سنوات حيث ان المخرج يسلم كل ما انجزه بصيغته النهائية الى مدير المسرح وهو غير ملزم بالحضور اليومي اثناء العرض وستكون مهمة مدير المسرح اكبر عندما يضم العرض مجاميع من الراقصين والموسيقين والكومبارس اضافة الى الممثلين الاساسيين.. حقا انه جهد كبير ويحتاج الى رجل مؤهل للادارة يتمتع بقوة الشخصية والكاريزما في التأثير وضبط العمل.
اعمال فرقة
وان ابرز مالدينا من اختص بهذا المجال هو الفنان الراحل كاظم الزيدي الذي تعلمنا منه الكثير من خلال اختياره لنا كمساعد في جميع اعمال فرقة المسرح الفني الحديث.. وبعدها استلمنا منه الادارة بعد مغادرته الفرقة واعطينا علاَمة اضافية وهي حفظنا لجميع الادوار استعدادا لأي طارئ عند غياب الممثل لحاجة ضاغطة. يتسابق المخرجون باختياره لهم كمدير للمسرح وهو بدوره ينسق مع الَمخرج منذ اول يوم قراءة للعمل ويثبت كل ماهو مطلوب.
فضلا عن فتح سجل خاص للعمل يدون عليه غيابات العاملين وتأخرهم.. كما يثبت الحركة وملاحظات المخرج وتوجيهاته بالتفصيل يقدمه على شكل تقرير يومي ليطلع عليه المخرج ليثبت توقيعه عليه مع انه هادئ الطبع ويكاد لايسمع صوته لكنه كان عادلا لايهادن احدا في المحاسبة مهما يكن موقعه.
ومرة تأخر الراحل يوسف العاني عن التمرين. مسك هو النص لكي يستمر التمرين... حينها جاء يوسف العاني وحاسبه امام الجميع وسأله عن اسباب التأخير ودون عليه ملاحظة في السجل.وعندما حان وقت الاستراحة ذهب اليه يوسف العاني وقال له ( يا رجل على اقل تقدير كان تأخذني جانبا وتحاسبني وليس امام اعضاء الفرقة سيما هناك شباب جدد. انسيت انا رئيس الفرقة).... وقال كاظم الزيدي له (عذرا استاذ انا تقصدت ان احاسبك امام الجميع لكي يدرك الاخرون باني لا اهادن ولا اجامل حتى رئيس الفرقة وان كان يوسف العاني نفسه لكي يلتزم الجميع) شكره رئيس الفرقة واثنى عليه ولحرصه في العمل ولم يمنعه ذلك من توجيه اعلان عن المتأخرين والغياب وتعليقها في فارتينة الفرقة.
وعندما يتصاعد العمل ويقترب من العرض هنا يصنف الممثلين كل حسب دوره وتدوين ملابسه واكسسواره.. ويسلمها الى مسؤول الملابس الذي غالبا مايكون الفنان نبيل كوني كما يبلغ الماكيير الراحل يوسف سلمان عن حاجة كل ممثل ومايجب فعله حسب دوره كذلك منفذ الموسيقى والانارة بالتنسيق مع المخرج .واستمر هكذا الراحل كاظم في الفرقة الى ان غادر ليصبح مدير انتاج في شركة بابل ثم عمل مع الفنان جعفر السعدي في ادارة مسرح المنصور في اول انتاجه في مسرحية (الحصان) للفنانة العربية سناء جميل ثم مديرا لمسرح الرشيد لغاية 1987 وترك العمل مرغما.
ومع اكتسابه الخبرات في مجال الادارة والانتاج اذ لم يهدأ له بال في البحث عن حلمه القديم حيث التقى مع صديقين مهمين وهما المخرج القدير محسن العلي والمنتج عوني محمد حسين وهما يشاطرانه في الاتجاه والطموح في تحقيق حلمهم القديم في تأسيس مركز فني جامع لكل الانشطة الفنية في المسرح والسينما والتلفزيون ونتيجة البحث والدراسة العميقة استقر الحال على اختيار موقع سينما روكسي وسينما ريكس وجعلهما موقعا متميزا حاويا على جميع الانشطة الفنية .
انه عمل صعب لاشك في ذلك من حيث الكلفة العالية ولكن ارادة هؤلاء الثلاثة الافذاذ مع الصبر والتضحية في كل شيء ابتدأ من القروض الكبيره مرورا بالمنغصات الكثيرة الى حد بيع اغراضهم الشخصية وحرموا انفسهم من رفاهية العيش والغريب في الامر انهم اصروا ان يخرج عملهم هذا على آخر طراز وهي سابقة تحسب لهم في تأسيس هكذا مجمع في القطاع الخاص ينافس مسارح الحكومة الحديثة.
لقد اهتموا بادق التفاصيل من حيث تأثيث المسرح وبالاخص خشبة المسرح بما تحتويه من ستائر وهيراسات وعمق في المساحة لتكون صالحة لكل انواع العروض فضلا عن اجهزة الانارة والصوت الحديثة كذلك القاعة الى حد الاهتمام بالكرسي المريح للمشاهد والشعور بالابهة والحالة المخملية كذلك الاقتدار، مما شجع العوائل على ارتياد هذا المسرح بامان واحترام واناقة فائقة بملابسهم نتيجة نظافة المكان والانضباط في القاعة الى حد الذي يجعل اخراج بعض (المسيئين)من الجمهور اثناء العرض،فضلا عن الدقة في العمل الاداري واحترام مواعيد العرض وارساء تقاليد راسخة في العمل بكل ما يتطلب من رصانة ودعم لوجستي فضلا عن البنى التحتية والتصدي لأي حالة طارئة قد تحدث في ( الكهرباء والماء او الحريق وحتى صيدلية صغيرة ) هذا بالاضافة الى نوعية العروض الشعبية ذات الاهداف الاجتماعية التوعوية وغير المخدشة للمشاعر.
استقطب هذا المجمع الكثير من نجوم المسرح بل كان اغلبهم يمنون النفس بالصعود على خشبته وقد اتاح للكثير من الفرق العربية للعرض وابدوا اعجابهم به الا ان بعض الحساد و(المتأمرين) احبطوا هذا الصرح الكبير .رحل هذا الفنان القدير وهو يمني النفس في استرجاع حلمه القديم.