الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مستقبل الشيعة بين التحولات الدولية وتحديات المرحلة

بواسطة azzaman

مستقبل الشيعة بين التحولات الدولية وتحديات المرحلة

محمد حسن الساعدي

 

لقد مثّلت أحداث 11 سبتمبر 2001 لحظة مفصلية في تاريخ العالم فقد أعادت رسم خارطة المصالح وأنعكس ذلك على التحالفات في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ما دفع الولايات المتحدة والدول الغربية إلى إعادة تقييم نظرتها للجماعات الإسلامية، وفي خضم هذه المتغيرات، برزت تحولات استراتيجية كان للطائفة الشيعية نصيب مؤثر من نتائجها، سواء على صعيد تراجع الخطاب السلفي المتشدد، أو إعادة تشكيل الأنظمة في دول محورية، أبرزها العراق وأفغانستان.

فبعد تلك الأحداث والهجمات، فرضت الحكومة الأمريكية قوانين ومعايير صارمة في أمن الطيران، وصلت حدّ فرض توجيهات للطائرات القادمة من دول الخليج بأن لا يكون طيّاروها من المتشددين، بحجّة أن هذا التوجه وخصوصاً السلفي هو المسؤول الأيديولوجي عن الفكر الجهادي المتطرف، وهو ما مثّل أول إشارة عملية لتحوّل المزاج الأمني والسياسي العالمي تجاه المذاهب الإسلامية، وتحديداً نحو احتواء الخطاب السني المتشدد.

وبينما كانت بعض دول الخليج الحاضنة التاريخية للدعوة السلفية، تتعرض لضغوط دولية متزايدة للحد من نشاطاتها الدعوية، بدأت فرص جديدة تفتح أمام التيار  الشيعي خصوصاً في ظل انشغال الولايات المتحدة بإسقاط نظام طالبان، الذي كان عدواً شرساً لإيران، وما تلاه من إسقاط نظام صدام حسين، العدو الأكبر لإيران والطائفة الشيعية في العراق وقد أدى هذا التحول إلى منح الشيعة في العراق دوراً سياسياً غير مسبوق، بوصفهم الأغلبية السكانية، ما أعاد رسم معادلة الحكم في بلاد الرافدين.

وفي ظل التضييق العالمي على الحركات السلفية، وتراجع المشاريع الدينية والأفكار المتشددة ، اتسع المجال أمام خطاب ديني شيعي معتدل يريد منح فرصة لتحسين صورة الإسلام في عدة مناطق من العالم، عبر النشاطات الثقافية والدينية والتعليمية. لكن هذا التوسع لم يخلُ من التحديات،خصوصاً بعد حادثة “طوفان الأقصى” التي شهدت صعودًا جديدًا للمقاومة الفلسطينية، وما تبعها من تحرك اللوبي الصهيوني باتجاه تصدير مصطلح “محور المقاومة ”، مستهدفاً هذا المحور وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفاؤها في المنطقة.

من هنا، بات من الضروري بروز تيار ديني معتدل، يعمل على ترسيخ منجزات الطائفة ويحافظ على موقعها دون الزجّ بها في صراعات سياسية أو عسكرية لا تخدم وجوده وهذا التيار المعتدل لا يُفترض أن يتقاطع بالضرورة مع الآخرين بل يمكنه أن يكون محور التوازن، والجسر الذي يسهم في نزع فتيل الأزمات الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق، تبرز شخصيات سياسية معتدلة تطلق رسائل وتمثل واجهة لهذا التيار المعتدل، من خلال ما يطرح من خطاب سياسي عقلاني ومتزن، يركّز على مشروع “الوطنية الشيعية”، الذي يسعى من خلاله إلى دمج الطائفة في الإطار الوطني العام، مع الحفاظ على خصوصيتها الدينية والثقافية، دون أن تتحول إلى طرف صدامي داخل العراق أو خارجه.

إن الحفاظ على مكتسبات التشيع في هذا العالم المتقلّب يتطلب خطابًا موحدًا، وقيادة تمتلك رؤية استراتيجية، تتجنب المغامرات وتعمل على بناء الجسور، لا المتاريس. ويمثل التيار المعتدل اليوم فرصة حقيقية لمستقبل الطائفة، خصوصًا إذا ما تحوّل إلى شريك فاعل في صناعة السلام الإقليمي، والتنمية الداخلية، بعيدًا عن الاستقطاب والمواجهة المفتوحة.


مشاهدات 21
الكاتب محمد حسن الساعدي
أضيف 2025/05/05 - 2:56 PM
آخر تحديث 2025/05/06 - 1:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 170 الشهر 6236 الكلي 11000240
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/5/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير