عبقري الخط العربي وراسم الجمال الروحي
بغداد - نوري جاسم
في عالم الخط العربي، حيث الحرف ينساب كجدول صافٍ في قلب المعاني، يبرز اسم طارق أحمد العزاوي كنجم متألق في سماء الإبداع، يخلّد الجمال بالحبر والورق، ويسمو بالحرف إلى مقام الروح، إنه أحد كبار الخطاطين العراقيين، ممن نقشوا بصمتهم في سجلّ الفنون الإسلامية بروح مبدعة وخطوط تحاكي نبض التاريخ، وقد كانت النشأة فنية والرحلة علمية، وُلِد العزاوي في بغداد عام 1950 المدينة التي زخرت عبر تاريخها بعباقرة الخط العربي، فاستقى من عبق تراثها وأصالة فنونها، ليشق طريقه في مسيرةٍ غنية بالجمال والابتكار، حيث بدأ رحلته الأكاديمية في معهد الفنون الجميلة ببغداد، حيث حصل على دبلوم عالٍ في الخط العربي عام 1970 ، ثم واصل تحصيله العلمي حتى نال درجة البكالوريوس في فن السيراميك من أكاديمية الفنون الجميلة عام 1975 . ولم يكن العزاوي مجرد طالب للخط، بل كان وريثًا لمدرسة الأصالة والإبداع، حيث تتلمذ على يد الخطاط الكبير هاشم البغدادي 1921-1973، الذي يُعدّ أحد أعمدة الخط العربي في العصر الحديث، وكان أيضًا من رفاق الخطاط الكبير عباس البغدادي 1951-2023، حيث تشارك معه عشق الحرف العربي وأسراره، وصاغا معًا مسيرةً من التألق والإبداع، وفي تلفزيون العراق 1970-1990، كان العزاوي صوت الخط العربي الناطق على الشاشة، حيث كتب بيده المباركة عشرة أجزاء من القرآن الكريم، عُرضت عند الافتتاح منذ عام 1975، وكان خطه يزيّن شاشات العراقيين، ليمنح للحرف العربي بريقًا خالدًا وسموًا بصريًا يأسر القلوب، وإن أعظم ما يمكن أن يحققه الخطاط هو تشريف كتابة المصحف الشريف، وقد كُتب للعزاوي هذا الشرف مرتين، الأولى عندما خطّ المصحف الشريف برواية ورش لصالح دار الهدى للطباعة والنشر في عين مليلة، الجزائر، حيث أبدع في إخراج نسخة تجمع بين الدقة والجمال، والثانية حين كُلِّف بكتابة المصحف الشريف برواية حفص من قبل رئاسة الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، وبإشراف مباشر من مفتي الديار العراقية عام 2007. فكان هذا العمل تجسيدًا لموهبته، وتأكيدًا لمكانته الرفيعة بين كبار الخطاطين، ولم يكن العزاوي مجرد فنان، بل كان أيضًا معلمًا وأستاذًا نهل منه أجيال من الطلبة، حيث عمل محاضرًا لمادة الخط العربي في معهد الفنون الجميلة من 1978 حتى 2005، ودرّس في المركز الثقافي العراقي للخط العربي والزخرفة، ليترك بصمةً لا تُمحى في مسيرة تعليم الخط العربي، كما كان مساعد الأمين العام للمركز الثقافي العراقي للخط العربي والزخرفة، حيث ساهم في تعزيز مكانة هذا الفن العريق، إلى جانب أعماله الخطية، وضع العزاوي بصمته في ميدان التأليف، حيث كتب عشرة كراريس لتعليم الخط العربي عام 1997، لتكون مرجعًا للدارسين، ومنهجًا يختصر خبرته الطويلة في هذا الفن، وكونه أحد روّاد الخط العربي في العراق، فقد انضم إلى جمعية الخطاطين العراقيين وجمعية التشكيليين العراقيين، حيث كان جزءًا من المشهد الثقافي والفني الذي يعكس هوية العراق وتراثه العريق، طارق أحمد العزاوي ليس مجرد خطاط، بل نحاتٌ للحروف، وباحثٌ عن الجمال في أدق تفاصيله. لقد جعل من الحرف العربي كائنًا حيًا يرقص بين أنامله، ومنح للكلمات روحًا تُلامس القلب قبل العين، خطه يحمل بين ثناياه أصالة الماضي ورؤية المستقبل، فهو امتدادٌ لتراث الخطاطين العظام، وجسرٌ يصل الحروف بتاريخها العريق إلى الأجيال القادمة.