الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الغش الأكاديمي:خيانة لتحية المعلم ونفاق فاق كل التصورات

بواسطة azzaman

الغش الأكاديمي:خيانة لتحية المعلم ونفاق فاق كل التصورات

احسان باشي العتابي

 

لا يختلف اثنان من العقلاء وأصحاب الضمائر الحية، على اختلاف توجهاتهم، في ان من الواجب الاخلاقي رد الجميل باحسن منه، او على الاقل بمثله فالعلاقة بين الافراد فضلا عن المجتمعات منذ نشاة الخليقة قائمة على التقدير المتبادل، والاحسان في الرد على المعروف ،لهذا يمكننا ان ندرج العلاقة التربوية بين الاستاذ وطلبته بضمن تلك القاعدة العقلية الاخلاقية البحتة،حيث تمثل تحية الأستاذ للطالب كل الجهود التي يبذلها بتفان وأمانة منقطعة النظير ، والتي توجب على الطلبة الرد باحسن منها او بمثلها وردهم يجب ان يكون باحترامهم وتقديرهم عبر المنظومة الاخلاقية والقيمية التي يندرج تحتها تنفيذ جميع توجيهاتهم لانها بالنتيجة تصب بصالح الطلبة.

من الجميل، بل من الضروري، ان يعيش المرء بوجه واحد، وجه يعرفه القريب والبعيد، يطمئن له الصديق، ويحترمه العدو رغما عن انفه، وجه يعكس جوهر النفس ،لا قناعا مرسوما لاجل المصلحة ،او الخوف ،او الطمع ،وليكن في حسبان الجميع ،ان الثبات على المبدا، والعيش بوجه واحد، لا يعني الجمود او الغباء الاجتماعي، بل هو انعكاس للانسجام الداخلي، والنزاهة في التعامل مع الذات والآخرين؛ وكل المواقف اثبتت ،ان من يعيش بوجهين، يعيش قلقا يخاف انكشافه، يرتبك حين تتقاطع طرقه، يتعثر في تناقضاته، اما صاحب الوجه الواحد، فمهما اختلفت الظروف وتبدلت الاحوال، يبقى كما هو صريحا في حبه، نزيها في خصومته، واضحا في مواقفه، لكن للاسف ما اكثر الوجوه اليوم، وما اقل الصدق!

لهذا فمن المؤسف ،ان يتحول الشخص الى كائن مزدوج المعايير، متعدد الوجوه، يتلون حسب مصلحته، ويبدل قناعاته بحسب من يجلس امامه، هذا النمط من السلوك ،لا يدل على ذكاء، بل على خواء داخلي، وتيه اخلاقي، يفقد الانسان اتزانه الذاتي قبل ان يفسد محيطه.لذلك فانه ليس من السهل على النفوس الحية ،ان تمر على الخطأ مرور الكرام، خاصة اذا كان الخطأ يمس كرامة العلم، ويهين حرمة الجهد، ويشوه ملامح العدالة، والتي تندرج كلها تحت عنوان المنظومة الاخلاقية والقيمية، التي يجب ان لا نحيد عنها، مهما كانت الظروف بل والعواقب حتى.

لقد غدت ظاهرة الغش في الامتحانات ،عارا يتسلل خفية الى قاعات الدراسة، يختبئ خلف النظرات الخجولة ،او الخوف والترقب ،او الوقاحة واللامبالاة ،لكنها في كل الاحوال، جريمة مكتملة الاركان ؛امر مؤسف حقيقة، ان تبتلى قاعات الامتحان – التي يجب ان تكون معابد للجد والانصاف – ،بتصرفات وضيعة ،تجعل من الشهادة سلعة، ومن النجاح حيلة. والاشد مرارة، ان هذا السلوك، يصدر من أولئك الذين، لا تفارق وجوههم علامات التقوى والإيمان تارة ،ولا تفارق ألسنتهم مفردات الفضيلة تارة اخرى! لكن،والتساؤلات هنا تطرح نفسها:

اي دين هذا الذي يرضى بالغش؟!

واي ضمير يغيب بهذه السهولة عند اول اختبار حقيقي للقيم؟!

وتكمن خطورة الغش الاكاديمي، في كونه لا يقتصر على كسر قواعد الامتحان، بل يهدم ركنين اساسيين من اركان التعليم، الثقة والعدالة؛ فالثقة التي يبنيها الاستاذ مع طلابه، تنهار حين يكتشف ان البعض استهان بهذه العلاقة، كما ان العدالة تتقوض، حين يمنح من لم يجتهد درجة من تعب غيره، في مخالفة صارخة لكل المبادئ التربوية والاخلاقية.

واظهرت بعض الابحاث التربوية، ان من اهم  اسباب تفشي الغش ،هو غياب الوعي الاخلاقي لدى بعض الطلبة،لتكون ظاهرة بين الاقران! اضافة الى قلة فاعلية بعض الإجراءات الوقائية، من قبل المؤسسات التعليمية المعنية، لكن هذه الاسباب  لا تبرر السلوك، بل تدعونا الى تعزيز الجهود التربوية، الرامية الى غرس قيم الامانة والمسؤولية في نفوس الطلاب منذ المراحل المبكرة.

ان مقاومة الغش لا تكون فقط بالعقوبات الادارية ، بل تبدا من تعزيز ثقافة النزاهة الاكاديمية وتشجيع السلوك الايجابي، وتكريم الطلبة المجتهدين، لا فقط المتفوقين رقميا ؛وهي مسؤولية تضامنية تبدا من الاسرة، وتمر بالمؤسسة التربوية، وتنتهي بضمير الطالب ذاته. وكما ان المعلم لا ينتظر الشكر على أداء واجبه، فانه لا يستحق الغدر بثقته، وان تحية الاستاذ التي تتجلى في حرصه على الطالب ونجاحه، تستحق ان ترد بتحية مماثلة ،اجتهاد، احترام، ونزاهة.

لكن، ويا للأسف، تقابل تلك الجهود النبيلة المبذولة من قبل المعلم ،بسلوك مخز يتمثل في الغش، وكأن ما يقدمه المعلم لا وزن له، وكأن الامانة والجدية، قد اصبحتا عملة نادرة.لقد تحول الغش، لدى البعض ان لم يكن الكثير، الى عادة مزمنة تمارس ببرود وجرأة، دون ادنى شعور بالذنب او المسؤولية ،والأسوأ من ذلك ،ان انعكاسات هذا السلوك، لا تطال الغاش فقط، بل تمتد لتشوه صورة الطلبة جميعا، وتحبط معنويات الاساتذة ،الذين ما زالوا يودون رسالتهم بشرف، فهم لا يطلبون امتنانا، بل وعيا بالمسؤولية.

 وما يزيد الغصة مرارة، هو أن هناك أساتذة أجلاء، لم يبخلوا على طلابهم بشيء، بل عاملوهم كأبنائهم، فتحوا لهم أبواب العلم والمسامحة معا، وأكرموهم بلغة لا تعرف التعالي ولا القسوة ،فهل يكون جزاؤهم أن يغدر بهم على يد من لم يحترم وجودهم ولا مقامهم؟! ألم يآن الاوان ان ندرك ان التحية الطيبة، حين تأتي من قامات تربوية شامخة، يجب ان تقابل بما هو اطيب ،صدق، احترام، واجتهاد؛ وإلا الى متى، يبقى الطلبة الملتزمون بالأخلاق الرفيعة والنظام الاكاديمي، يدفعون ثمن تصرفات من تنكروا لكل جميل؟ والى متى يساء للاساتذة ،الذين لم يبخلوا بعلم ولا بتوجيه؟ بل احاطوا طلابهم بعناية لا تقل عن عناية الاب بأبنائه ،ان الاستمرار في هذا النهج، ليس مجرد مخالفة تعليمية، بل هو انهيار لقيم العدالة، وامتهان لكرامة الجهد الصادق.

لان الغش كما بينا سلفا ليس مجرد خرق لنظام اكاديمي، بل هو طعنة في قلب الاستاذ، واهانة للزملاء الذين اجتهدوا، وخداع للنفس قبل خداع الآخرين، وانه لمن الخزي، ان يمد احدهم يده الى ورقة ليست له، او عيناه الى اجابة غيره، وهو يدعي انه ينتمي الى مبدا او يؤمن برسالة معينة.

الخلاصة:لكل من تسول له نفسه ان يسرق علما ليس من حقه، انك لا تسرق اجابة، بل تسرق ثقة، وانك لا تغش استاذك، بل تغش مستقبلك، واعلم ان الشهادة التي تبنى على الغش، ليست سوى قنبلة موقوتة، ستنفجر حين تطالب بكفاءتك، او تختبر في ميدان العمل، وحينها لن تجد من تغش منه، ولا من يستر عجزك؛ فكفوا عن هذه الخيانة، واستفيقوا قبل ان يسحب من تحت اقدامكم ما تبقى من احترام، واحفظوا للعلم حرمته، وللاستاذ هيبته، ولاتفسكم كرامتها، ولنضع نصب أعيننا جميعا،انه لا احد يولد باخلاق رفيعة او بدونها ،انما هو قرار يتخذه المرء ،الذي يتخذ طريق الإستقامة وسيلة لغايات كبيرة وعظيمة في الحياة.


مشاهدات 174
الكاتب احسان باشي العتابي
أضيف 2025/04/22 - 4:13 PM
آخر تحديث 2025/04/30 - 11:20 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 27 الشهر 27 الكلي 10994031
الوقت الآن
الخميس 2025/5/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير