همس الرحمة في رمضان
زكي الحلي
تلك الأصابع تمتد برفق إلى صفحات القرآن الكريم، تتحسس نعومة الورق وكأنها تلامس كنزا من نور. وأنا أقلب تلك الصفحات الطاهرة، أشعر وكأني أعبر بحرًا لا ينضب من الحكمة والعقيدة، ومن قصص الأنبياء التي تعبر الزمن لتخاطب القلب والروح، ومن أدعية تشع بالبركة والسكينة. بين كل حرف ونقطة، تتجلى عظمة الله، وتنطق الآيات بعذوبة تجعل القلب يخشع والجوارح تسكن.
أشعر برهبة خاشعة كلما امتدت يدي لتقلب صفحة جديدة، وكأنني أعبر عبر الزمن لأشهد كيف حمل جبريل، عليه السلام، هذه الآيات من لدن حكيم عليم إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ترتيب محكم، زمانا ومكانا، ليبني هذا الدين العظيم على هدى ونور.
بينما أسير بين الآيات، أجد نفسي محاطًا بسكينة عميقة، كأن العالم بأسره يتوقف لأتأمل تلك الكلمات المقدسة. أخاف أن أفوت حرفا، أو أن تزيغ عيني عن معجزة خطّها الله ليحيا بها القلوب. إنه شعور مهيب يلامس أعماق النفس، ويجعلني أُقبِل على كتاب الله بكل حب وخشوع، أبحث بين جنباته عن الآية التي تنير طريقي وتروي عطش روحي.
كل مرة أفتح فيها المصحف الكريم، أشعر أنني أقف على عتبة السماء، أتنفس من عبير الجنة، وأعيش لحظات لا مثيل لها، حيث كل حرف هو نور، وكل آية هي حياة، وكل صفحة تقلبها يداي تحمل رسالة خاصة لي من رب العالمين.