الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
خسرو شاهي الذي لم يسمع صوته أحد

بواسطة azzaman

أذن وعين
خسرو شاهي الذي لم يسمع صوته أحد
عبد اللطيف السعدون
انه سيد هادي خسرو شاهي رجل الدين، والباحث، والمفكر، والدبلوماسي الايراني النشيط الذي قاد الحملات الاعلامية والاستخباراتية لبلاده في أوروبا في ثمانينيات القرن المنصرم، وقد قدر لي أن أتعرف اليه عنما كنت أعمل في سفارة العراق بروما، وذلك في مصادفة لم يكن أي منا قد فكر فيها لكن صديقنا المشترك الصحفي والشاعر الفلسطيني الراحل راضي صدوق الذي كان يصدر صحيفة «الأيام العربية» في العاصمة الإيطالية أراد أن يجمع بيننا، كما قال لنا فيما بعد، وقدر أن عرض الفكرة من قبله قد يقابل بالرفض من واحد منا على الأقل، والسبب طبعا أن كلا منا كان يمثل بلدا في حالة حرب دموية عاصفة مع البلد الأخر، وارتأى أن يجعل لقاءنا من قبيل المصادفة في الوقت الذي كان قد خطط له بذكاء اذ حدد لكلينا نفس الموعد لزيارته في مكتبه في الجريدة، وهذا الذي حدث لكن اللقاء لم يدم أكثر من دقائق أقترح علينا فيه أن نتبادل الحوار بيننا في كتابات تنشرها صحيفته لعلها تفتح كوة نحو فهم مشترك في موضوعة الحرب التي كانت ماثلة آنذاك، واتفقنا أن يكتب كل منا باسم مستعار كي نتفادى أية ردود أفعال قد لا تخدم الهدف الذي نريده.  وهكذا تناوبنا على كتابة مقالات في موضوعة الحرب على صفحات جريدة «الأيام العربية» لعدة أسابيع، وقد احدثت صدى طيبا في أوساط الجاليتين العربية والايرانية في ايطاليا، والفضل يعود لصانع المبادرة راضي صدوق.
مصادفة أخرى
ومرت بضعة أسابيع أخرى قبل أن نحظى كلانا بمصادفة أخرى لم يكن أحد قد خطط لها حيث كنت أحضر حفلاً لسفارةٍ المغرب في روما عندما تقدّم مني صديق فلسطيني يعمل في مكتب منظمة التحرير ليبلغني أن سيد هادي خسرو شاهي، سفير إيران في الفاتيكان، وكان على بعد خطوات مني، يود الحديث معي، ويسألني عمّا إذا كنت مستعداً لذلك، وعندما أبلغته بالإيجاب، تصافحت مع شاهي الذي بدأ حديثه ، بمقدمةٍ سريعةٍ عمّا تلحقه الحرب بالشعبين الجارين من مآسٍ وآلام، ليخلص إلى أن شخصيات قيادية إيرانية ترى إمكانيةً لاستكشاف آفاق للحل، وإنه يعتبر ما يقوله بمثابة رسالةٍ يريد أن تصل إلى القيادة العراقية فإذا حصلت استجابة يمكن عقد اجتماع أولي، في دولة ثالثة، بين ممثليْن عن البلدين. لم يدل بتفاصيل أخرى، وقدّرت، وإنْ لم يفصح عن ذلك، أن هناك تياراً داخل النظام الايراني يؤمن بضرورة وقف الحرب، ورأيت أن من مصلحة البلدين أن ينمو هذا التيار ويتطور، ولم يستغرق حوارنا الذي لم يلفت نظر أحد سوى دقائق، انتهت بتبادل التحيات، والتمني بأن يسود السلام بين البلدين الجارين.
في اليوم التالي، كتبتُ إلى بغداد بتفصيل ما حدث، لكن بغداد تجاهلت المقترح، ولم تُعره اهتماماً، ثم شاءت المصادفات أن أُنقل من روما إلى موقع عمل جديد، من دون أن يحصل أي لقاء أو اتصال آخر بيني وبين الدبلوماسي الإيراني الكبير، وعرفت أن المبادرة أُجهضت، وهي في المهد.
خلاصةٌ واحدة يمكن أن يصل إليها المرء، هي أن أصوات العسكر والسياسيين، وخصوصاً قصيري النظر، عادةً ما تطغى في أوقات الحروب على أصوات رجال الفكر والمثقفين، حيث ينظر هذا النمط من السياسيين والعسكر إلى وجهات نظر المثقفين على أنها مجافية للواقع. وفي النهاية، عندما يكتشف من بقي من الناس كم حصدت الحرب من أرواح، وكم دمّرت من بنى، وكم استهلكت من ثــروات، يدركــــــــون كم كانت وجهات نظر المفكريــــن والمثقفيــن على صواب.
بقي ان نقــرّ لخصمنا خســـــرو شاهي الذي أخذته منا جائحة كورونا بأنه رجل فكر وعلم ومعرفة، يكفي أنه قدم لنا مؤلفات جمال الدين الأفغاني الكاملة، بعد أن أنفق خمسين عاماً في مراجعتها، وتحقيقها، ويكفي أنه سعى إلى التقريب بين المذاهب، وظلَّ على صلاته الوثيقة بقيادات إسلامية عربية معتدلة، وساهم في نشاطاتٍ فكرية عديــدة، أعطته ميــــــزة تبصّر الأحـداث والظواهر على نحو تفوّق فيه على أنداده من السياسيين ورجال الدين الذين يرونها بعينٍ واحدةٍ منكسرة. 


مشاهدات 446
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2024/03/09 - 12:49 AM
آخر تحديث 2024/04/27 - 3:43 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 88 الشهر 10727 الكلي 9136634
الوقت الآن
الأحد 2024/4/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير