لا أدَّعيك هنا
وجيه عباس
ابسط يديك فأنت سائرْ ودّع لياليك الأواخرْ
لسواك عمّر، إنما الدنيا تدور مع الدوائرْ
لا ثمَّ «ليتَ»، و»ليتَ» خاتمة الصغائر الكبائرْ
تلد الحياةُ، وما الحياةُ وأنت في الدارين عابرْ!
ماسوف يولدُ، دارُه، وديارُ أهليه، المقابرْ
لا أدَّعيكَ هنا، وإني حيث تسكنني الضمائرْ
مازلتَ طفلي حين يشتعلُ المشيبُ وأنت غافرْ
حتى الجناحُ إذا هوى
سأراك في عينيَّ طائرْ
لا دافعاً بيديه عن أحبابه كيد المَقادرْ
لكن أخو سفرٍ يجوب كأنه فيها مسافرْ
مابيننا لغة ستروي لونها هذي الدفاترْ
ستقول أنت ومن أنا والخلق دونهما نظائرْ
هي بعضُ ما هجرَ ابنُ آدمَ حين تهجرُه المآزرْ
أو حين تصطكُّ الأسنَّةُ بين هدبِكَ والمحاجرْ
أو حين تهتفُ بالصديق، فلا تراهُ هناك ناصرْ
وكأّنما خانتك أمَّتُكَ التي فيها تُفاخِرْ
سيّان كانوا والفراغَ، مُغيَّبين، وكنتَ حاضرْ
مابين صوتك والمنابرْ مدنٌ تقومُ، ولاتُغادرْ
قَلَقٌ من اللاشيءَ يسعى نحو وجهك في المعابرْ
انا مفردٌ، حسبي بأني فيك ياوحدي عشائرْ
وتقولُ: هانت...والهوانُ كأنَّه فيها خسائرْ
كلٌّ إلى جهةٍ يجرُّكَ نحوه مثل الضرائرْ!!
يامن أُكثِّرُ ظلَّهُ لم يلهني عنه»التكاثر»
لم تختطفني نونُ نسوتها، ولا عطرُ الضفائرْ
كلُّ البلاد خرائبٌ فيها، وليس سواهُ عامرْ
أبداً يلوحُ كأنَّهُ مابين جلدك والأظافرْ
وحدي أسافرُ فيه من وطنٍ لمنفى وهو ساخرْ
يكفيك أنَّكَ واحدٌ مابين جلدك ألفُ شاعرْ
من لي بأمسك كي أسائله، وما تغني السرائرْ؟!
هبْ لي رقادَكَ ليلةً وخُذ المفاخر والمآثرْ
أنا ليس لي أمسٌ سواك، ولا غدٌ حتى أتاجرْ
خذْ كل ما تركت كؤوسُكَ فوق خمري من جرائرْ
أنا مؤمنٌ، لكنني في الشوق بين يديك كافرْ
وموحِّدٌ لحصيدِ غرسِكَ وهو ينثرُ بالجواهرْ
قالوا كبرتَ، فقلتُ: طفلٌ شاب من وقع الخناجرْ!
ألفيتني لا أستفيق من الجراح، ولا أكابرْ
وسفينتي روحي، وحين تعودُ لي روحي، أغادِرْ
وكأنما طوّقتُ معصَمَها عليك بها أساورْ
أمطرتُها، والغيمُ يغزلُ دون دمعتها الستائرْ
قطباً، وحسبَكَ قُبَّةً وظلالُ أرديتي منائرْ
هبني اعود إليك من وجع يحاصرني.. لآخرْ
فمن الضمين بأنني
سأراك وجهي في النواظرْ؟
سأكف عنك وأدّريكَ كصالحٍ وثمودِ عاقرْ
سأمدُّ من عنقي إليك مصائرا تتلو مصائرْ
وأقول ياوحدي وأنت مضيَّعٌ بين السواترْ
وطنٌ على جرح تُرضّ ضلوعُهُ بين الحوافرْ
دعني ألمُّكَ، ماتساقطَ منك بين فم المحابرْ
أنا ملءُ صوتك والرمالُ صداك توغلُ بالحناجرْ
ياكلَّ ادعيتي اذا سكن الذبيحُ وأنت ناحرْ