رزاق إبراهيم حسن على مقعد الدراسة
عماد آل جلال
لأول مرة ألتقيه عن قرب كان داخل الطائرة العراقية المتجهة الى بيروت ذلك أواخر سبعينات القرن الماضي، لاحظت فور تعرفي عليه أنه قليل الكلام لكنه مستمع جيد، كان يحمل كتابا صغيرا لم يتسن ليّ قراءة عنوانه، أثناء تحليق الطائرة كنا نتذاكر بشؤون الصحافة وعن الدورة الخاصة لمدراء وسكرتيري التحرير بالمعهد القومي للصحفيين العرب التي رُشحنا اليها من قبل نقابة الصحفيين العراقيين، بعد ساعة ونصف الساعة حطت الطائرة على أرض مطار بيروت الدولي قبل أن يتغير أسمه الى مطار رفيق الحريري الدولي في حزيران 2005. في فندق الريفيرا بالروشة حيث سكن ممثلو الصحف العربية اجتمعنا مع الزميلين ضياء حسن وعلي عبد الحسين وزميل آخر هو أمير الحلي من محافظة البصرة، ومع أن أجواء لبنان في ذلك الوقت كانت ملبدة بفوضى الحرب الأهلية والصراع السياسي الا اننا كنا متحابين فيما بيننا، حذرين بخاصة عندما نكون خارج أروقة الفندق وفي صفوف الدرس، وفي أحد الأيام كنت وأياه في شارع الحمرا الشهير الذي يعج بعدد كبير من المحلات التجارية ومعارض الموضة لأفخم وأرقى الماركات العالمية، والتي تنتشر بين الأبنية ذات الطابع القديم، واذا بمواجهة مفاجئة بمختلف أنواع الأسلحة بين طرفي الصراع في بيروت الغربية من جهة، وبيروت الشرقية من الجهة الأخرى، كان رزاق أبراهيم حسن رحمه الله ماسكا بيدي بحثا عن مكان نختبئ به كوني خبير بمدينة بيروت التي قضيت فيها ردحا من الزمن، وخلال لحظات وجدنا أنفسنا في محل عطا الله فريج للبدلات الرجالية وهو الأشهر في ذلك الوقت تجنباً من الرصاص الطائش والقذائف منتهية الصلاحية التي كانت تستخدم في القتال بين أطراف الصراع. بعد عدة ساعات خف صوت الرصاص الى أن تلاشى نهائيا، خرجنا انا ورزاق على الفور متجهين الى الفندق شاكرين الله على سلامتنا، ومع ان الفندق قريب من شارع الحمرا الا ان المسافة بدت طويلة جدا علينا، المهم ان هذا الحادث لم يكن الوحيد خلال فترة مكوثنا الطويلة في بيروت بل تبعته حوادث أخرى بوجود الصحفيين العراقيين والوفود الأخرى، لست هنا في معرض التحدث عنها. وللتاريخ لا بد من القول ان الصحفيين العراقيين أثبتوا جدارتهم في الامتحان النهائي للدورة التي كان يشرف عليها المرحوم وفيق الطيبي مدير المعهد والمرحوم ملحم كرم نقيب المحررين اللبنانيين والمرحوم حنا مقبل الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب والمرحوم ضياء حسن ممثلا لنقابة الصحفيين العراقيين وكان المركزين الأول والأول مكرر والثاني من حصة الصحفيين العراقيين وهي نتيجة باهرة سيما ان المتبارين في الدورة هم بدرجة مدير أو سكرتير تحرير حصرا ومن صحف عربية عملاقة. من وجهة نظري ان هذه الدورة جلت مواهب رزاق المتعددة في كتابة الشعر والنقد والبحث والمقالة الصحفية واذا كان ديوان أسرار قراءة الطريق عام 1973 يمثل بدايات النضوج الذي قاده لاحقا للعمل في مجلة وعي العمال والتي وجد فيها ضالته وانحداره العمالي الذي ظل يفخر به الى آخر يوم في حياته، فأن ديوان " أنا أحد غيري "عام 2014 مثل غاية النضوج الأدبي والفكري للمرحوم. لقد أستطاع رزاق أبراهيم حسن وهو خريج مكتبته الثقافية وقراءاته المنوعة التصدي لموضوعات غاية في الأهمية ليس في الأدب فحسب بل في النقد والبحث والتاريخ وشكلت والطبقة العمالية هاجسا دائما في معظم نتاجاته، ومن الجميل وأكثر من جميل ان يقدم لنا هذه الإضمامة الرائعة من شعر العمود الخليلي، وشعر التفعيلة في زمن العجيج والضجيج النثري. ذكر حمدي العطار أن رزاق إبراهيم "يملك أسلوبه الخاص في النثر يولج إلى عمق الوجدان للقارئ مع رؤية متميزة في النقد، وفي الشعر كان مؤثرا وشفافا ينفذ إلى القلب بسهولة ". مشيرا الى انه بدأ كتابة الشعر وهو فتى، باللهجة العامية، ثم انتقل إلى الفصحى، ونشر أول قصيدة له عام 1963 في مجلة المعارف النجفية. ووصفه بأنه "خلق شاعراً قبل أيّة صفة أخرى". رحم الله الصديق الودود المثقف رزاق إبراهيم حسن الذي يتملكه الخجل حتى في المطالبة بحقوقه، أتذكر أنى رشحته لنيل جائزة المبدعين التي دأبت ادارة نادي العلوية الثقافي الاجتماعي على تقديمها سنويا، فلم يحضر لأسباب أجهلها لكنه اتصل بي لاحقا مستفسرا مني عن جائزته فأبي ان يحضر لاستلامها الا بوجودي، وظلت الجائزة مودعة في النادي الى ان توفاه الله. لروحه المغفرة والرحمة..